مراعاة المصلحة للبشر في إمضائه أو عدمه، بأن خيرهم في أسرى الحرب الشرعية بين أمرين:
(أولهما) المن عليهم بالحرية فضلا وإحسانا ورحمة.
(ثانيهما): الفداء بهم وهو نوعان: فداء المال، وفداء الأنفس (إذا كان لنا أسارى أو سبي عند قومهم) بنص القرآن " فإما منا بعد وإما فداء ".
وليست هذه الآية (الدالة على التخيير بين الأمرين) إبطالا لاستئناف الاسترقاق في الإسلام (كما توهمه البعض) فبقي حكمه على الأصل المتبع عند جميع الأمم من إقرار الرقية، إلا أنها تحت نظم وقوانين توجب رفع الضغط عنهم إلى حد بحيث يلحقهم بالأحرار.
وقد تكون مصلحة الاسترقاق أرجح من هاتين المصلحتين (أي المن على الأسرى والفداء بهم) في حالات قليلة لا تدوم، كأن يكون المحاربون للمسلمين قوما قليلي العدد كبعض قبائل البدو تقتل رجالهم كلهم أو جلهم فإذا ترك النساء والأطفال والضعفاء من الرجال لأنفسهم لا يكون لهم قدرة على الاستقلال في حياتهم، فيكون الخير لهم أن يكفلهم الغالبون ويقوموا بشؤونهم المعاشية، ثم تجري عليهم أحكام الطريقة الثانية في تحريرهم، وقد يتسرون بالنساء فيكن أمهات أولاد وربات بيوت، فحرائر، أو محصنات من فساد الأخلاق، مكفيات أمر المعيشة على الأقل. وكذلك الأطفال يكفلهم المسلمون ويربوهم على عقائد الإسلام وفضائله ثم ينالهم العتق في الغالب (لما سيأتي في وجوهه)، فيكونون كسائر أحرار المسلمين علماء وأغنياء وحكاما وأمراء وقد سن النبي (ص) لأمته ترجيح المن على الأسارى والسبايا بالعتق قولا وعملا في غزوة بني المصطلق، وغزوة فتح مكة، وغزوة حنين. كما هو مفصل في كتب السيرة النبوية وغيرها، لأن المسلمين قد أثخنوهم وظهروا عليهم