كما ملكوا سلب أموالهم، وما الحياة في نظر الحي بأثمن قيمة من اللقمة في يد الجائع، وإن كانت حجتهم أنهم ورثوا ذلك المال عن آبائهم قلنا لهم: إن كانت الأبوة علة الميراث فلم ورثتم آباءكم في أموالهم ولم ترثوهم في مظالمهم، فلقد كان آباؤكم أقوياء اغتصبوا ذلك المال من الضعفاء، وكان حقا عليهم أن يردوا إليهم ما اغتصبوا منهم، فإن كنتم لا بد ورثاء فاخلفوهم في رد المال إلى أربابه لا في الاستمرار على اغتصابه.
ما أظلم الأقوياء من بني الإنسان، وما أقسى قلوبهم، ينام أحدهم ملء جفنيه على فراشه الوثير، ولا يقلقه في مضجعه أنه يسمع أنين جاره وهو يرعد بردا وقرا، ويجلس أمام مائدة حافلة بصنوف الطعام، قديده وشوائه، حلوه وحامضه، ولا ينغص عليه شهوته علمه أن بني أقرباؤه وذوي رحمه من تتواثب أحشاؤه شوقا إلى فتات تلك المائدة، ويسيل لعابه تلهفا على فضلاتها، بل أن بينهم من لا تخالط الرحمة قلبه، ولا يعقد الحياء لسانه فيظل يسرد على مسمع الفقير أحاديث نعمته، وربما استعان به على عدما تشتمل عليه خزائنه من الذهب وصناديقه من الجواهر، وغرفه من الأثاث والرياش، ليكسر قلبه وينغص عليه عيشه، ويبغض إليه حياته، وكأنه يقول له في كل كلمة من كلماته وحركة من حركاته: أنا سعيد لأني غني، وأنت شقي لأنك فقير.
أحسب لولا أن الأقوياء في حاجة إلى الضعفاء يستخدمونهم في مرافقهم وحاجاتهم كما يستخدمون أدوات منازلهم، ويسخرونهم في مطالبهم كما يسخرون مراكبهم، ولولا أنهم يؤثرون الإبقاء عليهم ليمتعوا أنفسهم بمشاهدة عبوديتهم لهم وسجودهم بين أيديهم، لامتصوا دماءكم كما اختلسوا أرزاقهم، ولحرموهم الحياة كما حرموهم لذة العيش فيها.
لا أستطيع أن أتصور أن الإنسان إنسان حتى أراه محسنا، لأني لا أعتقد