فالقول المعروف والمغفرة في هذه الحالة يؤديان الوظيفة الأولى للصدقة تهذيب النفوس وتأليف القلوب.. (أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار، له فيها من كل الثمرات، وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء، فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت؟ كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون).
تمثيل لنهاية المن والأذى، كيف يمحق آثار الصدقة محقا، في وقت لا يملك صاحبها قوة ولا عونا، ولا يستطيع لذلك المحق ردا.
تمثيل لهذه النهاية البائسة في صورة موحية عنيفة الايحاء. كل ما فيها عاصف بعد أمن ورخاء:
هذه الصدقة وقد خرجت عن رضى، ووصلت محروما... هذه هي ظليلة وارفة مخصبة مثمرة. إنها (جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار، له فيها من كل الثمرات).
هذه هي في حياة المعطي والآخذ، وفي حياة الجماعة الإنسانية ذات روح وظل، وذات خير وبركة، وذات غذاء وري، وذات زكاة ونماء..
فمن ذا الذي يود أن تكون له حسنة ثم يرسل عليها المن والأذى يمحقها محقا، كما لو كانت جنة (فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت).. ومتى؟ في أشد ساعاته عجزا عن إنقاذها، وحاجة إلى ظلها ونعمائها: من ذا الذي يود هذا؟
ومن ذا الذي يفكر في ذلك المصير ثم لا يتقيه.
إنها صورة عميقة الإيحاء يرسمها الإمام (صلوات الله عليه) في هذا النص القصير لذلك النموذج الكريم في البشر وهي صورة كاملة ترتسم على استحياء!
وكل فقرة تكاد تكون لمسة ريشة، ترسم الملامح والسمات، وتشخص المشاعر والحركات. وما يكاد الإنسان يتم قرائتها حتى تبدو له تلك الوجوه، وتلك