براءة الطفولة، فيجعلها صافية مشرقة بما يجتذب إليها من معاني الخير والصفاء والاشراق، إذ كان من عمل الفكرة الثابتة في النفس أن تدعو إليها ما يلائمها ويتصل بطبيعتها من الفكر الأخرى، والنفس في هذا الشهر محتسبة في فكرة الخير وحدها، فهي تبني بناءها من ذلك ما استطاعت.
هذا على الحقيقة ليس شهرا من الأشهر بل هو فصل نفساني كفصول الطبيعة في دورانها، ولهو والله أشبه بفصل الشتاء في حلوله على الدنيا بالجو الذي من طبيعته السحب والغيث، ومن عمله إمداد الحياة بوسائل لها ما بعدها إلى آخر السنة، ومن رياضته أن يكسبها الصلابة والانكماش والخفة، ومن غايته إعداد الطبيعة للتفتح عن جمال باطنها في الربيع الذي يتلوه.
وعجيب جدا أن هذا الشهر الذي يدخر فيه الجسم من قواه المعنوية فيودعها مصرف روحانيته، ليجد منها عند الشدائد مدد الصبر والثبات والعزم والجلد والخشونة، عجيب جدا أن هذا الشهر الاقتصادي هو من أيام السنة كفائدة 8 في المائة... فكأنه يسجل في أعصاب المؤمن حساب قوته وربحه، فله في كل سنة زيادة 8 من قوته المعنوية الروحانية.
وسحر العظائم في هذه الدنيا إنما يكون في الأمة التي تعرف كيف تدخر هذه القوة ويوفرها لتستمدها عند الحاجة، وذلك هو سر أسلافنا الأولين الذين كانوا يجدون على الفقر في دمائهم وأعصابهم، ما تجد الجيوش العظمى اليوم في مخازن العتاد والأسلحة والذخيرة.
* * * كل ما ذكرته في هذا المقال - من فلسفة الصوم - فإنما استخرجته من هذه الآية الكريمة: (كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون). وقد فهمها العلماء جميعا على أنها من معنى (التقوى) أما