فصار التقدير كيىء، ثم إنهم حذفوا الياء الثانية تخفيفا كما حذفوها في ميت وهين، فصار التقدير كيىء، ثم إنهم قلبوا الياء ألفا لانفتاح ما قبلها، فصارت كائن: فمن قال: كأين فهي أي أدخلت عليها الكاف، ومن قال: كائن فقد بينا أمره، ومن قال: كأي بوزن رمي فأشبه ما فيه أنه لما أصاره التغير على ما ذكرنا إلى كيىء قدم الهمزة وأخر الياء ولم يقلب الياء ألفا، ومن قال: كيء بوزن عم فإنه حذف الياء من كيىء تخفيفا أيضا.
وقال الجوهري: تقول كأين رجلا لقيت، تنصب ما بعد كأين على التمييز؛ وتقول أيضا كأين من رجل لقيت، وإدخال من بعد كأين أكثر من النصب بها وأجود؛ وتقول: بكأين تبيع هذا الثوب؟ أي بكم تبيع؛ قال ذو الرمة:
وكائن ذعرنا من مهاة ورامح * بلاد العدا ليست له ببلاد (1) هذا نص الجوهري.
قال سيبويه: وقالوا كأين رجلا قد رأيت، زعم ذلك يونس، وكأين قد أتاني رجلا، إلا أن أكثر العرب إنما يتكلمون مع من قال: ومعنى كأين رب.
وقال الخليل: إن جرها أحد من العرب فعسى أن يجرها بإضمار من، كما جاز ذلك في كم؛ وقال أيضا: كأين عملت فيما بعدها كعمل أفضل في رجل فصار أي بمنزلة التنوين، كما كان هم من قولهم أفضلهم بمنزلة التنوين. قال: وإنما يجيء الكاف للتشبيه فتصير هي وما بعدها بمنزلة شيء واحد.
وأي أيضا اسم صيغ ليتوصل بها؛ كذا في النسخ والصواب به؛ إلى نداء ما دخلته أل كيا أيها الرجل ويا أيها الرجلان ويا أيها الرجال، ويا أيتها المرأة ويا أيتها المرأتان ويا أيتها النسوة، ويا أيها المرأة ويا أيها المرأتان ويا أيها النسوة. وأما قوله، عز وجل: (يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم) (2)، فقد يكون على قولك يا أيها المرأة ويا أيها النسوة.
وأما ثعلب فقال: إنما خاطب النمل بيا أيها لأنه جعلهم كالناس، ولم يقل ادخلي لأنها كالناس في المخاطبة، وأما قوله: (يا أيها الذين آمنوا)، فيأتي بنداء مفرد مبهم، والذين في موضع رفع صفة لأيها، هذا مذهب الخليل وسيبويه وأما مذهب الأخفش: فالذين صفة لأي، وموضع الذين رفع بإضمار الذكر العائد على أي، كأنه على مذهب الأخفش بمنزلة قولك: يا من الذين أي يا من هم الذين، وها لازمة لأي عوضا مما حذف منها للإضافة وزيادة في التنبيه.
وفي الصحاح، وإذا ناديت اسما فيه الألف واللام أدخلت بينه وبين حرف النداء أيها فتقول: يا أيها الرجل ويا أيتها المرأة، فأي اسم مفرد مبهم معرفة بالنداء مبني على الضم، وها حرف تنبيه، وهي عوض مما كانت أي تضاف إليه، وترفع الرجل لأنه صفة أي؛ انتهى.
وقال ابن بري: أي وصلة إلى نداء ما فيه الألف واللام في قولك يا أيها الرجل، كما كانت إيا وصلة المضمر في إياه وإياك في قول من جعل إيا اسما ظاهرا مضافا على نحو ما سمع من قول العرب: إذا بلغ الرجل الستين فإياه وإيا الشواب، انتهى.
وقال الزجاج: أي اسم مبهم مبني على الضم من أيها الرجل، لأنه منادى مفرد، والرجل صفة لأي لازمه، تقول: أيها الرجل أقبل، ولا يجوز يا الرجل؛ لأن يا تنبيه بمنزلة التعريف في الرجل فلا يجمع بين يا وبين الألف واللام، وها لازمة لأي للتنبيه، وهي عوض من الإضافة في أي، لأن أصل أي أن تكون مضافة إلى الاستفهام والخبر، والمنادى في الحقيقة الرجل، وأي وصلة إليه؛ وقال الكوفيون: إذا قلت يا أيها الرجل، فيا نداء، وأي اسم منادى، وها تنبيه، والرجل صفة، قالوا: ووصلت (3) أي بالتنبيه فصار اسما تاما لأن أيا وما ومن والذي أسماء ناقصة لا تتم إلا بالصلات، ويقال: الرجل تفسير لمن نودي.