وقال الليث: يقال أتاني فلان أتيا وأتية واحدة وإتيانا؛ فلا تقول إتيانة واحدة إلا في اضطرار شعر قبيح.
وقال ابن جني: حكي أن بعض العرب يقول في الأمر من أتى: ت، فيحذف الهمزة تخفيفا كما حذفت من خذ وكل ومر، ومنه قول الشاعر:
ت لي آل زيد فابدهم لي جماعة * وسل آل زيد أي شيء يضيرها (1) وقرىء: يوم تأت، بحذف الياء كما قالوا لا أدر، وهي لغة هذيل؛ وأما قول قيس بن زهير العبسي:
ألم يأتيك والأنباء تنمي * بما لاقت لبون بني زياد؟ (2) فإنما أثبت الباء ولم يحذفها للجزم ضرورة، ورده إلى أصله.
قال المازني: ويجوز في الشعر أن تقول: زيد يرميك. برفع الياء، ويغزوك، برفع الواو، وهذا قاضي، بالتنوين، فيجري الحرف المعتل مجرى الحرف الصحيح في جميع الوجوه في الأسماء والأفعال جميعا لأنه الأصل؛ كذا في الصحاح.
وآتى إليه الشيء، بالمد، إيتاء: ساقه وجعله يأتي إليه وآتى فلانا شيئا إيتاء: أعطاه إياه؛ ومنه قوله تعالى: (وأوتيت من كل شيء) (3): أراد، والله أعلم، أوتيت من كل شيء شيئا. وقوله تعالى: (ويؤتون الزكاة) (4).
وفي الصحاح: آتاه أتى به؛ ومنه قوله تعالى: (آتنا غداءنا) (5)، أي ائتنا به.
* قلت: فهو بالمد يستعمل في الإعطاء وفي الإتيان بالشيء.
وفي الكشاف: اشتهر الإيتاء في معنى الإعطاء وأصله الإحضار.
وقال شيخنا: وذكر الراغب أن الإيتاء مخصوص بدفع الصدقة؛ قال: وليس كذلك فقد ورد في غيره: ك (آتيناه الحكم) (6)، وآتيناه الكتاب، إلا أن يكون قصد المصدر فقط.
* قلت: وهذا غير سديد، ونص عبارته: إلا أن الإيتاء خص بدفع الصدقة في القرآن دون الإعطاء قال تعالى: (ويؤتون الزكاة) (7). (وآتوا الزكاة) (8)؛ ووافقه على ذلك السمين في عمدة الحفاظ، وهو ظاهر لا غبار عليه، فتأمل.
ثم بعد مدة كتب إلي من بلد الخليل صاحبنا العلامة الشهاب أحمد بن عبد الغني التميمي إمام مسجده ما نصه: قال ابن عبد الحق السنباطي في شرح نظم النقاية في علم التفسير منه ما نصه: قال الخويي: والإعطاء والإيتاء لا يكاد اللغويون يفرقون بينهما، وظهر لي بينهما فرق ينبىء عن بلاغة كتاب الله، وهو أن الإيتاء أقوى من الإعطاء في إثبات مفعوله، لأن الإعطاء له مطاوع بخلاف الإيتاء، تقول: أعطاني فعطوت، ولا يقال آتاني فأتيت، وإنما يقال آتاني فأخذت، والفعل الذي له مطاوع أضعف في إثبات مفعوله مما لا مطاوع له، لأنك تقول قطعته فانقطع، فيدل على أن فعل الفاعل كان موقوفا على قبول المحل، لولاه ما ثبت المفعول، ولهذا لا يصح قطعته فما انقطع، ولا يصح فيما لا مطاوع له ذلك؛ قال: وقد تفكرت في مواضع من القرآن فوجدت ذلك مراعى، قال تعالى: (تؤتي الملك من تشاء) (9)، لأن الملك شيء عظيم لا يعطاه إلا من له قوة؛ وقال: (إنا أعطيناك الكوثر) (10)، لأنه مورود في الموقف مرتحل عنه إلى الجنة، انتهى نصه.
* قلت: وفي سياقه هذا عند التأمل نظر والقاعدة التي ذكرها في المطاوعة لا يكاد ينسحب حكمها على كل