أ لم تر أن القول يخلص صدقه * وتأبى فما تزكو لباع بواطله ذممت امرأ لم يطبع الذم عرضه * قلا لدى تحصيله من يشاكله فما بالحجاز من فتى ذي امارة * ولا شرف الا ابن عمران فاضله فتى لا يطور الذم ساحة بيته * وتشقى به ليل التمام عواذله ومن هنا يعلم ما كان عليه ابن هرمة من صنعة الشعراء في التحيل لكسب المال حتى بالسؤال والكدية وفي المدح والذم لذلك وفي المهارة في التخلص والتأويل فهو يقول لعبد الله بن الحسن لما قال له تفضل الحسن بن زيد علي وعلى اخوتي بقولك:
الله أعطاك فضلا من عطيته * على هن وهن فيما مضى وهن فيقول ما عنيت الا فرعون وهامان وقارون كما ذكر في ترجمة الحسن بن زيد ويقول في محمد بن عمران الطلحي:
مثل ابن عمران آباء له سلفوا * يجزون فعل ذوي الاحسان بالدون ثم يعتذر بأنه لم يعن من آبائه طلحة بن عبيد الله ثم يعطيه محمد بن طلحة البكري ومحمد بن عبد العزيز كل واحد ثلاثين دينارا ويطلب إليه الأول أن يمدح محمد بن عمران بعد ما هجاه فيفعل. ويظهر من مجموع اخباره إن الكبراء كانوا يهابون لسانه. وفي الأغاني بسنده أن إبراهيم بن هرمة مدح محمد بن عمران الطلحي فألقاه راويته وقد جاءته عير تحمل له غلة قد جاءته من الفرع أو خيبر فقال له رجل إن أبا ثابت عمران بن عبد العزيز أغراه بك وانا حاضر عنده وأخبره بعيرك هذه فقال انما أراد أبو ثابت أن يعرضني للسانه قودوا إليه القطار فقيد إليه. وبسنده أن ابن هرمة قال يمدح أبا الحكم المطلب بن عبد الله:
لما رأيت الحادثات كنفنني * وأورثتني بؤسي ذكرت أبا الحكم سليل ملوك سبعة قد تتابعوا * هم المصطفون والمصفون بالكرم فلاموه وقالوا أ تمدح غلاما حديث السن بمثل هذا قال نعم وكانت له ابنة يلقبها عيينة وقيل عينة فقال:
كانت عيينة فينا وهي عاطلة * بين الجواري فحلاها أبو الحكم فمن لحانا على حسن المقال له * كان المليم وكنا نحن لم نلم وبسنده أن ابن هرمة ارسل إلى عبد العزيز بن المطلب بكتاب يشكو فيه بعض حاله فبعث إليه بخمسة عشر دينارا فمكث شهرا ثم بعث يطلب منه شيئا آخر فقال انا والله ما نقوى على ما كان يقوى عليه الحكم بن المطلب وكان عبد العزيز قد خطب إلى امرأة من ولد عمر فردته فخطب إلى امرأة من بني عامر بن لؤي فزوجوه فقال ابن هرمة:
خطبت إلى كعب فردوك صاغرا * فحولت من كعب إلى جذم عامر وفي عامر عز قديم وانما * أجازك فيهم هزل أهل المقابر وقال فيه أيضا:
أ بالبخل تطلب ما قدمت * عرانين جادت بأموالها فهيهات خالفت فعل الكرام * خلاف الجمال بأبوالها وبسنده أنه جلس ابن هرمة مع قوم فذكر الحكم بن المطلب فأطنب في مدحه فقالوا انك لتكثر ذكر رجل لو طرقته الساعة في شاة يقال لها غراء لردك عنها وكانوا قد عرفوا أن الحكم بها معجب وفي داره سبعون شاة تحلب فخرج فدق الباب فخرج إليه غلامه فقال اعلم أبا مروان بمكاني وكان أمر أن لا يحجب عنه ابن هرمة فخرج إليه متشحا فقال أ في مثل هذه الساعة يا أبا إسحاق فقال نعم جعلت فداك ولد لأخ لي مولود فلم تدر عليه امه فطلبوا له شاة حلوبة فلم يجدوها فذكرت شاة عندك يقال لها غراء فسألني أن أسألكها فقال أ تجئ في هذه الساعة ثم تنصرف بشاة واحدة والله لا تبقى في الدار شاة الا انصرفت بها سقهن معه يا غلام فساقهن وفيهن ما ثمنه عشرة دنانير وأكثر انتهى.
وقال الأستاذ احمد امين في الجزء الثاني من ضحى الاسلام: والأدب اتجه أكثره إلى مشايعة رغبات القصر يذم الشعراء من ذمهم الخلفاء ويمدحون من رضوا عنه فإذا خرج محمد بن عبد الله على المنصور قال ابن هرمة:
غلبت على الخلافة من تمنى * ومناه المضل بها الضلول فاهلك نفسه سفها وجبنا * ولم يقسم له منها فتيل دعوا إبليس إذ كذبوا وجاروا * فلم يصرفهم المغوي الخذول وما الناس احتبوك بها ولكن * حباك بذلك الملك الجليل تراث محمد لكم وكنتم * أصول الحق إذ نفي الأصول وإذا رضي المعتصم عن الأفشين فقصائد أبي تمام تترى في مدحه وإذا غضب عليه وصلبه فقصائد أبي تمام أيضا تقال في ذمه وكفره. إلى آخر ما استشهد به من هذا القبيل قال المؤلف: الأدب وجهته من يوم وجد إلى اليوم وإلى أن تقوم الساعة رغبات القصور الا ما ندر ولم يختص بذلك عصر دون عصر، وقوله اتجه يقال فيما لم يكن متجها لا فيما وجهته شئ واحد من أول وجوده ولا يختص ذلك بالأدب بل جميع اعمال بني آدم الا ما شذ وجهتها رغباب من يخافونه ويرجونه، لكنه يمكننا أن نقول إن ابن هرمة كان وهو علوي النزعة يظهر اتجاه أدبه للعلويين في دولة أعدائهم أهل القصور فقد جاء في ترجمته انه مدحهم في حال أشد الخوف من العباسيين حتى أنه لما سئل عن قائله قال قائله من عض ببظر امه فقيل له أ لست أنت قائله فقال لأن يعض المرء ببظر امه خير له من أن يأخذه ابن قحطبة، وقوله الذي استشهد به في محمد بن عبد الله الحسني لما خرج على المنصور لا يدل على اتجاهه إلى متابعة رغبات القصور فهو علوي الرأي في شعره وغيره عند عدم كون العلويين من أرباب القصور، وشعره هذا الذي قاله في محمد لم يكن عند كون محمد صاحب قصر فصاحب القصر يومئذ والحول والطول هو المنصور ومحمد في مبدأ ثورة لم تكسبه دولة ولا ملكا ولا يدري ما نهايتها فلو كان متجها بأدبه إلى مشايعة رغبات القصر لاتجه به إلى رغبات قصر المنصور أو لانتظر أقلا إلى ما بعد هذه الثورة لينظر عما تنجلي ولم يكن آمنا في ذلك الوقت من انجلائها عن تغلب المنصور على محمد فهو يخاف عقابه عليها أشد الخوف ومع ذلك أقدم عليها. فهذا يدلنا على أنه لم يكن منخرطا في سلك من عدهم كابي تمام وغيره على أنه ليس هناك ما يدلنا على أن أبا تمام مدح الأفشين ثم ذمه وكفره مع أنه لم يكن كافرا فقد نسب إليه الكفر الذي قتله المعتصم لأجله وليس لنا ما يدل على كذب هذه النسبة.
نسبته المدني نسبة إلى المدينة المنورة لأنه كان ساكنا بها ويوجد في بعض الكتب في نسبته المديني والمعروف في النسبة إليها المدني على غير القياس