مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٣٩
محمد بن عبد الله الأصبهاني، وكان رجلا فاضلا قصده إلى معرة النعمان ولازمه مدة حياته يقرأ عليه بعد أن استعفى أي المعري من ذلك، ثم أجابه فقرأ عليه الكتب إلى أن مات يقصد المعري وقد أشار إلى ذلك في مقدمة ضوء السقط. وأقام أبو عبد الله الأصبهاني بحلب، وروى عن أبي العلاء كتبا متعددة من تصانيفه، وهو الذي سأله أبو العلاء أن يشرح له سقط الزند فشرحه، ووسمه ب‍ ضوء السقط.
ومن هذا النص، ومن أمثاله في تضاعيف عدد من المراجع التاريخية الأدبية، يتبين بجلاء وتوكيد أن أبا العلاء كان حفيا بديوانه سقط الزند إلى حد أن تلاميذه كانوا يروونه عنه بالإجازة، وكان عدد من طلاب العلوم الوافدين إليه من أقطار مختلفة يدرسون هذا الديوان عليه في جملة ما يدرسون. فقد ذكر السيوطي في بغية الوعاة في ترجمة نصر بن صدقة القابسي النحوي أنه كان ممن يعاني الأدب، فقدم مصر وأخذ عن علمائها، ثم توجه إلى المعرة فلازم أبا العلاء، وأخذ عنه ديوانه سقط الزند وكتب منه نسخة جيدة، ورجع إلى مصر فقدمها للحاكم وقرأها عليه، فأعجبه نظمه، وأرسل إلى عزيز الدولة الوالي بحلب أن يحمله أي يحمل المعري إلى مصر. فاعتذر، فكف عنه.
ويروي أحمد تيمور باشا (1) هذه الحكاية بصورة أخرى نقلا عن مقدمة رسالة للمعري تسمى الفلاحية تقول أن القابسي هذا لما رجع إلى مصر بنسخته سقط الزند أهداها للوزير أبي نصر صدقة بن يوسف الفلاحي، فأعجب بها واستدعى كاتب الديوان وأمره أن يكتب إلى عزيز الدولة متولي حلب وأعمالها، في حمل أبي العلاء إلى مصر، ليبني له دار علم، وسمح بخراج معرة النعمان له في حياته وبعدها، فوصلت الأوامر إلى ديوان الشام بكتب السجل، فكتب وجهز على البريد، فلما وقف عليه عزيز الدولة نهض للوقت حتى دخل معرة النعمان، وقرأ السجل على أبي العلاء، فقال:
أمهلني حتى أكتب جواب السجل إلى مجلس الوزارة، فلعل العفو يسامحني بالمقام في بلدي، إذ لا يمكنني الخروج منه. فأمهله الأمير، فاحضر الكاتب للوقت، وأملى عليه هذه الرسالة أي الرسالة الفلاحية يعتذر فيها عن عدم الرحيل بعجزه عنه.
وفضلا عما لهذه الحكاية، بوجهيها، من دلالة على احتفال أبي العلاء وتلاميذه بديوان سقط الزند، تدل كذلك على احتفال الناس في عصره بهذا الديوان وبأدب أبي العلاء وبمكانته، كما تدل على إباء المعري نفسه وعزوفه عن عروض المال والجاه من حكام زمنه، وقد دلت على ذلك روايات عدة في أخبار أبي العلاء.
وأما ما تنبئ عنه رواية أبي زكريا التبريزي، المتقدمة الذكر، من أنه رأى أبا العلاء يكره أن يقرأ عليه شعره في صباه الملقب بسقط الزند، فيمكن حمله على بعض أشعار هذا الديوان مما هو منظوم في صباه حقا. يدلنا على هذا التخريج للرواية أن أبا العلاء قد جعل حجته في الامتناع عن سماع هذا الديوان كونه مدح نفسه فيه، وهذه حجة لا تنهض إلا بالنسبة للأبيات التي مدح فيها نفسه، ولم أجد من هذه الأبيات في النسخة المطبوعة من سقط الزند التي درست فيها الديوان، سوى قليل، وهي أقل من أبيات نستشعر فيها تواضعه جاءت في مراسلاته لأخوانه، فلعل شيئا من النقص أصاب الديوان خلال القرون التي انقضت من عهد أبي العلاء إلى اليوم، أو لعل طابعي هذه النسخة قد أنقصوا الديوان بعض قصائده، وهذا ظاهر بالفعل وسنوضحه بعد.
ومهما يكن من شان رواية التبريزي، فإنها لا تستطيع أن تعارض ما نقلناه وما لم ننقله من الروايات والأخبار المستفيضة عن اهتمام أبي العلاء بهذا الديوان.
على أن أديبنا العظيم، أبا العلاء، قد ذكر في خطبة سقط الزند أي مقدمته ما يشبه هذا الذي حكته عنه رواية التبريزي، فقد قال ما نصه:
أما بعد، فان الشعراء كأفراس تتابعن في مدى، ما قصر منها لحق وما وقف ذيم (2) وسبق، وقد كنت في ربان الحداثة (3) وجن النشاط، مائلا في صغو القريض، أعتده بعض مآثر الأديب، ومن أشرف مراتب البليغ، ثم رفضته رفض السقب (4) غرسه، والرأل تريكته (5)، رغبة عن أدب معظم جيده كذب، ورديئة ينقص ويجدب، وليس الري عن التشاف (7)، ويعلمك بجنى الشجرة الواحدة من ثمرها، ويدلك على خزامي الأرض النفحة من رائحتها، ولم أطرق مسامع الرؤساء بالنشيد، ولا مدحت طالبا للثواب وإنما كان ذلك على معنى الرياضة وامتحان السوس أي الطبيعة فالحمد لله الذي ستر بعفة من قوام العيش ورزق شعبة من القناعة أوفت على جزيل الوفر.
هذه قضية يعنينا أن يجلوها أبو العلاء بمثل هذا الكلام يصدر عنه هو، ولا يتركها لمجرد الاجتهاد والاستنتاج، وإن كان لنا من أخباره كما قلت ما يعين على الاجتهاد والاستنتاج.
ويبقى الآن أن نعود إلى هذه الدعوى من أبي العلاء ومن المؤرخين لحياته وأدبه، من القدماء والمحدثين على السواء، وهي دعوى أن شعر سقط الزند هو شعر الحداثة والصبا.
هذا غير صحيح، ففي شعر هذا الديوان، كما وصل إلينا وكما نراه في شرح أبي يعقوب يوسف بن طاهر النحوي صاحب التنوير وهو مقارب لعهد أبي العلاء ما قد نظمه المعري وهو في بغداد، وما قد نظمه بعد رحلته إلى بغداد أثناء اعتزاله الأخير بالمعرة. ومن ذلك قصيدته في رثاء أبي أحمد الطاهر والد الشريفين الرضي والمرتضى، فقد توفي هذا عام 403 ه، ومعلوم أن المعري بدأ عزلته بالمعرة عام 400 ه، فكيف تكون هذه القصيدة وهي من شعر سقط الزند مما قاله الشاعر في صباه؟. ومن

(1) " أبو العلاء المعري " - تيمور ص 92.
(2) ذيم: أي لحقه الذم.
(3) ربان الحداثة: أول الشباب.
(4) الصغو: الميل إلى الشئ.
(5) السبق: الذكر من ولد الناقة. والغرس: جلدة رقيقة توضع على الولد ساعة يولد.
(6) منها الفرخ ويتركها.
(7) التشاف، كالاشتفاف: أن يشرب جميع ما في الإناء: ومعنى الجملة: أنه يمكن أن يرتوي المرء من شرب القليل دون شرب ما في الإناء كله، أي قد يغنيك القليل الجيد من الشعر عن الكثير الردئ منه، ثم ضرب مثالين على ذلك من أن الواحدة من الثمر تدلك على جنى الشجرة وأن النفحة من الرائحة تدلك على خزامى الأرض، أي نباته العطر.
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370