إسماعيل الصفوي مر الحديث عنه في مكانه من هذا المجلد، ونضيف هنا إلى ذلك ما يلي:
بعد الحرب العسكرية الشرسة التي شنت على الشاه إسماعيل الأول الصفوي دون أن تنال من دولته منالا، بل أن تلك الدولة ثبتت أقدامها وشقت طريقها بين الدول الكبرى، رأى الذين غاظهم قيامها أن يشنوا عليها حربا من نوع آخر: هي الحرب الكلامية لتشويه سمعتها مما رأينا مثيلا له في كلام النهر والي المتقدم.
ومن المؤسف أن يتبنى هذه الحرب خريجو الجامعات وأساتذتها في هذا العصر المفروض برجاله أن يعالجوا الأمور التاريخية معالجات موضوعية غير متأثرة بما كانت تتأثر به معالجات الأقدمين.
فصاحب كتاب مقدمة تاريخ العرب الحديث يقول في الصفة 20 ما يلي:
وقصد أسطول برتغالي المياه العربية في الصيف. ولكن هذا الأسطول لم يحقق أية انتصارات واكتفى بالقرصنة على السفن العربية، ثم جاء الأسطول هرمز مطالبا بالجزية السنوية ولكن ملك هرمز كان قد دان بالولاء للشاه فلم يدفع للبرتغاليين شيئا.
إذن باعتراف الكاتب أن استناد صاحب هرمز إلى دعم الشاه الصفوي جعله يتمرد على البرتغاليين، وإذن فان الشاه الصفوي ببسطه حمايته على أرض إسلامية قد حماها من ذل دفع الجزية للمستعمرين المعتدين الأوربيين.
وتلك منقبة كبرى كان على الكاتب أن يشيد بها ويسجلها في سجل حسنات الشاه الصفوي، ولكنه لم يفعل، بل أراد أن يحولها إلى سيئة لأن قلمه لا يطاوعه على تسجيل حسنات شاه صفوي أقام دولة جديدة لا يحب هذا الكاتب أن تقوم، لا لشئ إلا لنعرات نحلية سيطرت عليه.
لذلك أضاف إلى كلامه السابق ما يلي:
ولم يكن البرتغاليون على استعداد لاغضاب الشاه الذي وصل سفيره إلى جوا في ذلك العام لوضع أسس حلف برتغالي إيراني ضد العثمانيين.
ونحن نسأل الكاتب هذا السؤال: من هو المعتدي؟ هل أن الشاه إسماعيل هو الذي جيش الجيوش وآثار الحروب لغزو السلطان سليم في دياره ودخول عاصمته والقضاء على دولته، أم أن الأمر بالعكس، وأن السلطان سليم هو الذي فعل ذلك؟!.
فإذا صح وهو ما لم يصح أقول: إذا صح أن سفير الشاه وصل إلى جوا لوضع أسس حلف برتغالي إيراني ضد العثمانيين، فان هدف هذا الحلف هو حماية إيران من هجمات أعدائها المحاولين القضاء عليها ووأد دولتها الفتية في مهدها. وهذا ما لا تلام عليه أي دولة ترى نفسها مهددة بمثل ما هددت به إيران.
ولماذا يباح للعثمانيين أن يسفكوا دماء المسلمين ويغزوهم في ديارهم ويحتلوا عاصمتهم ويقضوا على دولتهم، ولا يباح لهؤلاء المسلمين الدفاع عن أنفسهم بكل وسيلة؟.
لو أن الشاه الصفوي أراد حلفا إيرانيا برتغاليا ليغزوا به العثمانيين المسلمين، لجاز لنا لومه والتنديد به، ولكنه كان يعمل على صون بلاد إسلامية من شر يراد بها، وبذلك لا يستطيع أي منصف أن يلومه.
ثم إننا نسأل الكاتب وغيره من أمثاله وما أكثرهم نسأله ماذا فعل سلطانك العثماني أمام الغزو البرتغالي الماحق التي تسلط على البلاد الاسلامية يومذاك يحتل ويحرق وينهب ويقتل ويستبيح ويمتلك البلاد وبذلها؟!.
لقد وقف يتفرج على ذلك ولا تهمه دماء المسلمين المطلولة وديارهم المستعبدة وسلطانهم الزائل، ولم يجد في ذلك أية غضاضة ولم يتقدم بقوته الجبار لحمايتهم والذود عنهم، ولكن استثاره واستفزه قيام الدولة الصفوية فوجه إليها الجيوش وقصدها بالحديد والنار.
وأنت نفسك تعترف فتقول في كتابك:... وشعر المسؤولون في استنبول بعظم الخطر الجديد قيام الدولة الصفوية، فأخبر سليم أباه المسالم بايزيد الثاني على التنازل عن العرش. وأهمل سليم جبهة البلقان وركز اهتمامه بشؤون دار الاسلام. فاجرى مذابح كثيرة بين الشيعيين في شرق الأناضول....
لم تكن سيطرة البرتغاليين عند السلطان سليم خطرا، ولم تكن جبهة البلقان الصليبية المتحفزة كذلك خطرا، ولكن كان الخطر عند المسؤولين في أستنبول وعند مؤلف كتاب مقدمة تاريخ العرب الحديث هو قيام الدولة الصفوية، فاجرى السلطان سليم مذابح الأناضول وتقدم إلى تبريز لمجابهة الخطر بالمذابح بعد المذابح.
م أن الكاتب وغير الكاتب من الزاعمين مزاعمه لم يحدثونا شيئا عن أثر حلفهم المزعوم، ولا عن المعارك التي خاضها معا الجيشان المتحالفان الإيراني والبرتغالي في مواجهة العثمانيين!...
إنهم لم يفعلوا ذلك لأنه لا حلف ولا متحالفين... وهل كانت أيام أشد حرجا على الشاه الصفوي من أيام جالديران ليسعفه فيها حلفاؤه لو كان له حلفاء.
لقد كان العامل الأول في هزيمة الشاه إسماعيل في معركة جالديران أمام السلطان سليم هو أن الجيش العثماني كان مزودا بمدفعية قوية كان يفتقد مثلها الجيش الصفوي إذ لم تكن يده قد وصلت بعد إلى شئ من ذلك. فلو كان هناك تفاهم بينه وبين البرتغاليين لزودوه على الأقل بالمدافع التي تحمي جيوشه.
ثم أننا نسأل هؤلاء الناس، ماذا فعل السلطان سليم وغيره لاجلاء البرتغاليين عما كانوا يحتلونه من بلاد إسلامية؟ وإذا كان السلطان سليم قد هزم الشاه إسماعيل في جالديران، فلما ذا لم يتفرع للبرتغاليين ويجليهم عن البلاد الاسلامية؟!.
على أن الحقيقة هي ان السلطان سليم هو الذي استعان بالأجانب أعداء الاسلام على الدولة الاسلامية الصفوية وعلى الملك المسلم الشاه إسماعيل وعلى دولة المماليك الاسلامية وعمل على افقار الشعب الإيراني المسلم:
جاء في كتاب أصول التاريخ العثماني الصفحة 84 عن عهد السلطان سليم وحروبه مع الشاه إسماعيل:
كانت لدى العثمانيين مدافع وبنادق وبارود مما زودهم به اللاجئون اليهود