مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٣٥٣
تكون ذاته معدومة. لا يقبل الشئ أن يوصف بأنه علة ومعلول إلا إذا وصف بالوجود، وأنه من المستحيل أن يكون علة كون ذاته إذا كان معدوما. إذا كانت ذات الشئ هي غيره، والمتغايرات يمكن أن يعرض لأحدها ما لا يعرض للآخر، وقد عرض له أن يكون موجودا وعرض لذاته أن تكون معدومة، فستكون ذاته إذن هي لا هو، وكل شئ فذاته هي هو فهو لا هو، وهو هو، وهذا خلف لا يمكن. إذا كان الشئ موجودا وذاته موجودة، أي حسب تعبير الكندي: إن كان أيسا وذاته أيس، فهو علة ومعلول. يعني أن يكون علة ذاته، وعرض لذاته أن تكون معلولته، فذاته هي لا هو، وكل شئ فذاته هي هو، فهو لا هو، وهو هو، وهذا خلف لا يمكن... يخلص الكندي من هذه البرهنة الأصيلة إلى أنه من المستحيل أن يكون الشئ علة ذاته بل هو معلول دائما. أن الله وهو الفاعل الحقيقي، والعلة القريبة والبعيدة لهذا الشئ، يعطي للمعلولات جميعها وجودها وكمالها وبقاءها.
يعرف الكندي الحركة، في بحثه عن الله والعالم، بأنها تبدل أما بمكان، وأما بكم، وأما بكيف وأما بجوهر، وكل تبدل فإلى غير يرى الكندي أن كل حركة إما أن تكون ذاتية وإما أن تكون عرضية، ويعني بالذاتية هي ما تكون من ذات الشئ، ولا تفارق الشئ الذي هي فيه إلا بفساد جوهره، ويضرب لهذا مثلا بحياة الحي التي لا تفارق الحي إلا بفساد جوهره وانتقاله إلى لا حي، على حين أن الحركة العرضية هي عنده تلك التي ليست من ذات الشئ، ويعني بما ليس من ذات الشئ ما يفارق الشئ ولا يفسد جوهره، كالحياة في الجرم، فان الجرم الحي قد تفارقه الحياة وأن الجرمية ثابتة فيه على حالها لم تفسد.
ويكاد الكندي ينقل، ولكن في شئ من الأصالة، ما قاله أرسطاطاليس في تصور الزمان في داخل النفس. يقول الكندي: أن الحركة موجودة في النفس، أعني أن الفكر ينتقل من بعض صور الأشياء إلى بعض، ومن أخلاق لازمة للنفس شتى مثل الفرح والحزن وما كان كذلك، فالفكر متكثرة ومتوحدة، إذ لكل كثرة كل وجزء، إذ هي معدودة، وهذه اعراض النفس، فهي متكثرة أيضا ومتوحدة، بهذا النوع. ومن هنا يتضح لنا كيف يصور الكندي ارتباط الزمان، وهو في داخل النفس، بالحركة والجرم، ولكن هل يمكن تصور جرم من غير مكان؟ هذا ما ستجيب عليه فلسفة أرسطاطاليس وبراهين الكندي...
وإذا كان الجرم لا يمكن أن يتصور إلا في المكان، فان الكندي لم يناقش، في نظريته عن الله والعالم، علاقة الحركة والجرم والزمان والمكان، وكل ما فعله في هذا السبيل هو إشارة عابرة إلى آراء الفلاسفة الذين لم يتعرض لأسمائهم، إلى أفلاطون، ثم إلى أرسطاطاليس الذي يقول أن المكان موجود وبين. لا يقبل الكندي أن يكون المكان جسما، ولعله يفترض يختل خلاء، لأن الخلاء الخالي، كما يقول أرسطو وابن سينا والكندي، لا وجود له.
يرفض الكندي أن يكون المكان جسما، لأن الجسم يقبل إذن الجسم، والجسم يقبل ويقبل، وهكذا ابدا بلا نهاية، وفكرة اللاتناهي هذه، وكما نعرف مرفوضة عنده في نظرية حدوث العالم. يرى الكندي إذن أن المكان ليس جسما، بل هو السطح الذي هو خارج الجسم الذي يحويه المكان ينظر الخوارزمي إلى مكان الشئ بأنه سطح تعقير الهواء الذي فيه الجسم، أو سطح تعقير الجسم الذي يحويه هواء يعرف الكندي المكان بأنه نهايات الجسم، وبأنه بتكثر بقدر أبعاد المتمكن ونهاياته... لا يقبل الكندي أن يكون للخلاء المطلق وجود، وليبرهن على هذا الرفض يقول أن معنى الخلاء هو مكان لا متمكن فيه. لا يصح وبأنه حال من الأحوال، تصور مكان من غير أن تتبعه إضافة متمكن، إذا كان متمكن كان مكان اضطرارا، إذا كان مكان وفيه متمكن، فان وجود الخلاء المطلق إذن عند الكندي، كما هو عند أرسطاطاليس، مستحيل. وإذا لم يكن ثمة خلاء مطلق فلا بد إذن من الملأ، وحيث أن هذا يكون جسما، فلا بد من أن يكون متناهيا، لأنه ليس يمكن، حسب المذهب العام لنظرية الحدوث عند الكندي، أن يكون شئ لا نهاية له بالفعل.
والكندي الذي يعرف الهيولى أي المادة، في نظريته عن الله والعالم، بأنها موضوعة لحمل الصور، وبأنها منفعلة، يرى أن الهيولى هي ما يقبل ولا يقبل، أنها ما يمسك ولا يمسك.
يعني بهذا انها تحفظ الصورة. والمادة التي يتكون منها كل شئ، والتي نقبل الأضداد دون فساد، تعطينا تمثلات كلية في النفس، بحيث تكون هذه التمثلات القائمة في المصورة أشبه بالمحسوسة. وهو لا ينسى أن يفرق، في نظرته إلى المادة، بين نوعين من المعرفة، أي الوجود. ينقسم الوجود عنده إلى حس يتصل بطبيعة الأشياء الجزئية الهيولانية، وعقلي ينتسب إلى الكليات والأجناس والعقل الإنساني. والكندي الذي يعرف الصور في رسالته عن الحدود بأنها الشئ الذي به الشئ هو ما هو، يراها تنقسم إلى قسمين:
أحدهما يقع تحت الحس والثاني تحت الجنس. وإذا كانت الصورة الحسية تميز، وعن طريق البصر، الشئ من حيث الجوهر والكيف والكم وبقية الأجناس العشرة، فان الكندي يرى أن الصورة في النفس هي والنفس شئ واحد، لا يتغايران تغايرا مصدره غيرية المحمولات، يعني بهذا ما تحمله النفس في ذاتها وليس المحمولات المنطقية.
يتضح لنا من فهم المادة والصورة من ادراك المحمولات والأجناس العشرة في نظرية الله والعالم عند الكندي، ان القول أولا بوجود الواحد الحق المبدع، والقول ثانيا بالحدوث، يحل مشكلة رئيسة تبدو في صميم العلاقة الكائنة بين الفلسفة والدين. يظهر لنا بجلاء من هذه الصلة أن تدبير العالم المرئي لا يمكن أن يكون الا بعالم لا يرى، وأن آثار العالم، وما فيه من التناسق والنظام، تدل على موجده ومدبره، هذا المدبر الأبدي الذي وهب العالم الحركة والزمان والابداع، الذي خلق المحدثات المنفعلات من لا شئ، والذي أعطى الوجود أصالته وتمامه وكماله...
رسالة للكندي وننشر فيما يلي كلمة عن رسالة له مخطوطة في موضوع قلع الآثار من الثياب وهي مكتوبة بقلم الدكتور محمد عيسى صالحية:
الكندي أحد أعلام الفكر العربي الاسلامي الكبار، عمل الباحثون ولسنوات طويلة في دراسة ونشر أعماله العلمية، حتى ليبدو لي أن معاودة الكتابة عن حياته ما هو إلا ضرب من التكرار الممل، وما دام الأمر كذلك، فاني
(٣٥٣)
مفاتيح البحث: الخوارزمي (1)، الضرب (1)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 348 349 350 351 352 353 354 355 356 357 358 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370