سأحاول في مقدمة دراستي هذه أن أعاود تأكيد بعض الحقائق الهامة عن حياته والتي تظل مطلبا رئيسا لكل باحث عند العناية بتراث الكندي.
إن ما أورده إسماعيل حقي الأزميرلي في كتابه عن فيلسوف العرب الكندي المنشور بالتركية والذي نقله إلى العربية عباس العزاوي يظل رأيا له تقديره عندي على الأقل، فقد قرن الأزميرلي اتخاذ بغداد غداة بنائها من قبل أبي جعفر المنصور كقاعدة حضارية، بظهور الكندي كبان لأسس العلم والفلسفة والطب عند العرب (1). فبناء بغداد الحضارية ونبوع الكندي العلمي كانا معلمين يكمل بعضهما بعضا: فالكندي هو أبو الحكماء وفيلسوف العرب والمسلمين، عربي من قبيلة كندة، كان والده أمير الكوفة أيام المهدي وهارون الرشيد، وأما الكندي فقد كان منكبا على العلوم والفنون بلا هوادة، ألف في المنطق والفلسفة والهندسة والحساب والأرثماطيقي والموسيقي والنجوم، وإن مراجعة إحصائية لمؤلفاته وفروعها تسجل منها قوائم رقمية نجملها بما يلي:
الفلسفيات: 27 مؤلفا.
المنطق: 9 مؤلفات.
الحساب وما يتعلق به: 21 مؤلفا.
الكريات: 9 مؤلفات.
الموسيقي: 7 مؤلفات.
النجوميات: 38 مؤلفا.
الهندسة: 24 مؤلفا.
الطب: 31 مؤلفا.
الفلك: 17 مؤلفا.
الجدليات: 19 مؤلفا.
علم النفس: 7 مؤلفات.
السياسة: 12 مؤلفا.
الأحداثيات: 16 مؤلفا.
الابعاديات: 10 مؤلفات.
الأنواعيات: 29 مؤلفا.
الأحكاميات: 10 مؤلفات.
التقدمات: 8 مؤلفات (2).
ولا غرابة من كثرة مؤلفاته وتنوعها وتشعب اختصاصاتها، فالكندي كما تؤكد كافة المراجع التي عنيت به أنه كان مطلعا على علوم اليونان والهنود والفرس، وتلكم مراكز الحضارة الرئيسية في عصره، هذا بالإضافة إلى إلمامه بالسريانية واليونانية والهندية والفارسية. وقد أصاب الشهرزوري حين قال عنه: كان مهندسا خائضا غمرات العلوم (3).
قلع الآثار والطبوعات من الثياب وغيرها في التراث العربي يجد الباحث صعوبة في العثور على عناوين مستقلة لهذا الفن في التراث العربي، ويبدو أن العناية بهذا الفن كانت مسالة معروفة لا تحتاج إلى تدوين عند العرب، كما هو حالهم في تدوين هندسة البناء ونسج الثياب وغزل بيوت الشعر وصناعة الخيم والحياكة والتطريز والوشي وغيرها من الأمور الحياتية، وما عدا إشارات ترد عن صناعة الصابون والصباغة فلا تكاد تعثر على عناوين تخص قلع الآثار والطبوعات من الثياب حتى منتصف القرن الثالث الهجري.
لقد أعملنا جهدنا درسا في التراث العربي علنا ننجح في تأطير هذا الفن تاريخيا وكانت حصيلة اشتغالنا ما يلي:
ورد في كتاب فردوس الحكمة لعلي بن ربن الطبري ت 247 ه، ذكر ما يقلع الآثار من الثياب في النوع السابع من المقالة الثانية، الباب الثالث، بين الصفحات 530 532، وتناول قلع الآثار والطبوعات من ثياب الطيلسان والوشي والفراش، والآثار التي أشار إليها، هي قلع آثار النفط والموز والبسر وقشور الرمان والحبر والدم والودك والزعفران ودهن البزر والسواد والقير والعنب والقطران والخلوق والدهن والدسم المغرة والمداد بالإضافة إلى صباغة الثوب والشراب.
رسالة في الصباغة الكيماوية لابن وحشية ت حوالي 291 ه، وهي الرسالة التي كتبها لابنه وجاء بأولها: فأول ما أعملك يا بني من ذلك ما أشاهده وتشاهدون من عمل الصباغين بالبقم والعصفر، وكيفية استخراج الأصباغ من هذين الجسدين (4).
ولعل من معترض، يرى بان هذا باب الصباغة، فما بال إزالة الآثار، وعندي أن الصباغة تتطلب بداية إزالة أي آثار أو طبوعات تكون في الثوب أو القماش، مهما كان نوعه، قبل الشروع في الصباغة. غير أن الجانب الطلسمي في الرسالة يبدو واضحا، وهذا المنهج يفقد الرسالة مصداقية النهج العلمي، وتلك الصفة الطلسمية برزت أيضا في العديد من مؤلفات ابن وحشية، وخاصة الفلاحة النبطية، وكتاب أسرار التعافين، وخواص النبات، وكنا قد ناقشنا هذه المسألة وأسبابها عند تحقيقنا لكتاب مفتاح الراحة لأهل الفلاحة، لمجهول من القرن 8 ه، في درسنا للمقدمة.
فوائد في قلع الآثار من الثياب لمؤلف مجهول، لا تزال محفوظة في خزانة شهيد علي، بالمكتبة السليمانية، رقم 2092 ضمن مجموع، بين الصفحات 47 أ 48 ب، وهو نفس المجموع المحفوظة فيه رسالة الكندي التي ننشرها، وتاريخ نسخ المخطوط يرجع إلى سنة 757 ه، وقد شملت تلك الفوائد قلع الآثار والطبوعات للحبر والنطفة والدم والمداد والقير والموز والرمان والزعفران والقلقاس والعنب الأسود والقطران والزفت والمغرة والأثفال والورد والدهن بالإضافة إلى غسل الجلود والمصاحف من الحبر.
الباب التاسع من كتاب المخترع في فنون من الصنع المنسوب للملك المظفر يوسف الرسولي ت 694 ه، والمحفوظ في الخزانة الآصفية بالهند تحت رقم 221 متفرقات، وفيه إشارات لقلع آثار الرمان والموز والتوت الأسود والحديد، والنفط الأسود والنفط الطيار والزعفران والمداد والحبر وأثر الشمع والخمر والياسمين والشقائق والعفونات والفواكه والجوز والدم والسفرجل