بأنه ماض إلا إذا أحسسنا بالتقدم والتأخر في الحركة. وأرسطاطاليس الذي يقول أن الحركة انما تعرف بالمتحرك، وأن النقلة انما تعرف بالمنتقل، والذي يقبل انه لا يمكن تصور الزمان من غير الآن، كما لا يمكن تصور الآن من غير الزمان، يعطينا تعريفا خالدا، وجامعا مانعا، تعريفا قبلته منه الفلسفات المسيحية والاسلامية، وذلك حينما يذكر: أن الزمان هو مقدار الحركة بحسب المتقدم والمتأخر، انه متصل وينتسب إلى متصل...
وإذا كان زمان الموجودات الأبدية الخالدة لا يحويها، لا يقيس مقدار وجودها وليس له تأثير عليها فان زمان الكائنات الحسية يعتبر، عند الفيلسوف اليوناني وفي لحظة تشاؤم، سبب هدم لا بناء، لأنه مقدار الحركة، والحركة تضعف وتفني ما هو موجود. ولكن هل يمكن تصور الزمان من غير النفس؟
سؤال ممتع وجميل سبق أرسطاطاليس الكندي إليه، جاء ديكارت وإقامة نظرية دفعته إلى معرفة الله والعالم وجاء برجسون وإقامة فلسفة انبنى عليها فهم الحرية والشعور والحدس والوجدان. يرتأي أرسطاطاليس انه ليس من هناك شئ يمكن أن يعد خارج النفس والعقل، وإذا كان الزمان هو مقدار الحركة، بصفة عامة وكلية وليست حركة ما، بحسب المتقدم والمتأخر، وإذا كانت الحركة المعدودة لا تقوم إلا بالزمان، فان الزمان يوجد في داخل النفس.
والكندي الذي قد تأثر كغيره من فلاسفة المسلمين بأستاذه أرسطاطاليس، لا يستطيع أن يتصور، في نظرية الله والعالم، جرما بلا زمان. يرى أن الزمان والجرم متناهيان، أن الحركة هي حركة الجرم، فان كان جرم كانت حركة، وان لم يكن جرم لم تكن حركة. وإذا كانت الحركة هي تبدل الأحوال، وان كل تبدل هو عاد كما يقول في نصه، مدة المتبدل، فان التبدل سيسري كذلك على الزمان، هذا الزمان الذي لا يمكن أن يتصور بالفعل لا نهاية له.
وليبرهن الكندي على أنه لا يمكن أن يكون زمان لا نهاية له بالفعل في ماضيه ولا آنيه يقول: اننا إذا قسمنا الزمان إلى أجزاء فيجب أن نقف عند فصل متناه لا يكون قبله فصل، أنا إذا افترضنا خلف كل فصل من الزمان فصلا ولم نقدر أن نقف، ولو في حالة التوهم، عند حد ما، فسنكون إذن امام لا متناه، وسينتج في ذهننا زمان معلوم محدود، وزمان غير معلوم: أي سنقف أمام لا متناه متناه، وهذا خلف لا يمكن. ان ما لا نهاية له لا تقطع مسافته ولا يؤتى على آخرها، فإنه لا يقطع ما لا نهاية له من الزمان، حتى ينتهي إلى زمن محدود، والانتهاء إلى زمن محدود، موجود به، فليس الزمان فصلا من لا نهاية، بل من نهاية اضطرارا... ولكل زمان محدود نهايتان:
نهاية أولى ونهاية آخرة، فان اتصل زمانان محدودان بنهاية واحدة مشتركة لهما، فان نهاية كل واحد منهما الباقية محدودة معلومة، وإذا فرض أن جملة الزمانين وهي محدودة تصير، عن طريق هذا الاتصال لا محدودة النهايات، فسنكون إذن أمام زمان محدود ولا محدود، وهذا ما لا تقبله نظرية حدوث العالم عند الكندي بحال لأنه كما زيد على الزمان المحدود زمان محدود، فكله محدود النهاية من آخره، ولا يمكن أن يكون الزمان الآتي وعلى هذا الأساس لا نهاية له بالفعل.
تجمع مصنفات الكندي، حينما يحاول أن يفهم تصور الله والعالم على أن الزمان من الكمية المتصلة، وهي تتفق في هذا مع تعريف أرسطاطاليس.
تنفرد الفلسفة الأولى وتضيف على هذا التعريف بان العدد والقول لا يمكن أن يقال عليه وفي ذاته طويل أو قصير، بل ينصب عليه هذا من جهة الزمان الذي هو فيه. يقال عدد طويل، أي في زمان طويل، وقول طويل أي في زمان طويل، ولا يمكن أن يحتمل أي واحد من القول والعدد اسم الطول واسم القصر بذاته أي انه ليس هنالك للأشياء وجود مطلق في ذاتها بل في الزمان. صحيح، وكما تتفق على هذا المصادر الكندية، ان افتراض زمان لا نهاية لأوله قد يؤدي إلى تناقض لأننا إذا قلنا أن الزمان مكون من انات مفعولة، وهو من الكم المتصل عنده، فسنصل إلى حد متناه نقف عنده، وافتراضنا نظرة اللاتناهي ستناقض التناهي، وسيكون الزمان متناهيا ولا متناهيا في نفس الوقت، وهذا غير معقول ولا مقبول. ونظرة ثانية بان اللامتناهي لا تقطع مسافته ولا يؤتى على آخرها، وبأنه ليس متصلا من لا نهاية اضطرارا.
والله، الذي خلق العالم والزمان، يتصف عند الكندي بالوحدانية، لا تعجز قدرته عن شئ، أنه يستطيع اخراج المعاني إلى الكون، خلق العالم في أتقن وأكمل وأفضل وجه، خلق المعاني البسيطة مثل العنصر والصورة، وابداع الأشياء المركبة. وقد صير الله الجوهر النفساني أما ناطقا وأما لا ناطقا، الناطق مثل الأشخاص العالية والإنسان، والذي لا ناطق هو الحرث والنسل، وأنه هو الذي جعل للحركة كينونتها وبقاءها. ويتساءل الكندي، مع كل ذهن يعرض له هذا، وكما فعل أرسطاطاليس بوضوح في الطبيعيات، عن خالق هذا العالم ومحركه، هو واحد أم كثير، هل هو بسيط أم مركب؟
أن الأشياء المركبة لا بد أن تقبل القسمة والتجزئة، والمتكثرة لا بد أن تقبل انفصال بعض أجزائها عن بعض. والله، الواحد، الفاعل، الأول، لا يقبل من حيث أنه يتسم بالبساطة، الكثرة والتركيب، وكما يقول الكندي في نص له: أن الكثرة في كل الخلق موجودة، وليست فيه بتة، ولأنه مبدع وهم مبدعون، ولأنه دائم وهم غير دائمين، لأن ما تبدل تبدلت أحواله، وما تبدل فهو غير دائم.
يحاول أن يبرهن أرسطاطاليس في الطبيعيات، كما يفعل في ما وراء الطبيعة، على وجود محرك أول قديم دائم غير متكثر، وغير قابل للحركة.
وإذا كان انكسا جوارس قد قال، كما يذكر عنه أرسطاطاليس، بان العقل منزه عن الاختلاط بشئ، أنه مبدأ للحركة، فان هذا الأخير قد قال بان المحرك الأول، الذي لا يقبل التحريك بواسطة شئ سابق عليه يحرك ذاته.
أن هذا المحرك هو دائما، كالله عند الكندي، بالفعل أنه لا يمكن أن يكون فيه جانبان: أحدهما يحرك والثاني يقبل أن يتحرك، لأنه إذا صح هذا فسيكون التحرك بينهما بالتناوب، وسوف لا يكون هنالك محرك أول قديم أنه لا بد من أن تقف سلسلة الأشياء المتحركة بالغير عند حد، وإن هذا الأخير لا بد أن يحرك ذاته بذاته، ولا بد من أن يتسم بصفة القدم والأبدية والخلود.
يتمشى الكندي، ويرى في نظريته عن الله والعالم، أن الله الواحد الأبدي القديم هو علة كل كائن في هذا الوجود. يتلخص دليله، في استحالة أن يكون الشئ علة لكون ذاته، في حصر الاحتمالات الممكنة الآتية التي يحاول أن يبطلهما جميعا. أنه ليس ممكنا أن يكون الشئ علة كون ذاته، وأن