2 ولد ابنه الأكبر أبو الحسين علي بن النعمان بالقيروان في رجب سنة 328 ه وقدم مصر مع باقي أفراد الأسرة في صحبة المعز لدين الله، ولما مات النعمان اشترك علي بن النعمان في قضاء مصر مع أبي طاهر الذهلي فظلا يقضيان حتى توفي المعز وولي العزيز وعرض لأبي طاهر القاضي مرض الفالج، ففوض العزيز الحكم إلى علي بن النعمان وذلك في صفر سنة 366. وظل منفردا بالقضاء وافر الحرمة عند الامام العزيز حتى أصابته الحمى وهو بالجامع يقضي بين الناس. فقام من وقته ومضى إلى داره وأقام عليلا أربعة عشر يوما، وتوفي يوم الاثنين لست خلون من رجب سنة 374 ه وصلى عليه العزيز، وهو أول من لقب بقاضي القضاة في مصر، وكان عالما فقيها مثل أبيه، وكان شاعرا أورد له الثعالبي شيئا من شعره، مثل قوله:
ولي صديق ما مسني عدم * مذ وقعت عينه على عدمي أغنى وأقنى فما يكلفني * تقبيل كف له ولا قدم قام بأمري لما قعدت به * ونمت عن حاجتي ولم ينم ومن شعره، وقيل بل من شعر أخيه محمد بن النعمان:
رب خود عرفت في عرفات * سلبتني بحسنها حسناتي حرمت حين أحرمت نوم عيني * واستباحت دمي بذي اللحظات وأفاضت مع الحجيج ففاضت * من جفوني سوابق العبرات لم أنل من منى منى النفس حتى * خفت بالخيف أن تكون وفاتي ومن شعره أيضا:
صديق لي له أدب * صداقة مثله نسب رعى لي فوق ما يرعى * وأوجب فوق ما يجب فلو نقدت خلائقه * لبهرج عندها الذهب ومن سوء الحظ أن شعره لم يصل إلينا كاملا حتى نستطيع أن نكون رأيا دقيقا في شاعريته.
ولا أدري أيضا من أين استقي الأستاذ آصف فيضي أن أبا الحسن علي بن النعمان كان في مرتبة داعي الدعاة، فليس لدي من النصوص ما يؤيد ذلك، بل الذي ذكره المؤرخون أن أول من أضيفت إليه الدعوة من قضاة الفاطميين هو ولده الحسين بن علي بن النعمان على نحو ما سنذكره بعد.
3 ولما توفي علي بن النعمان أرسل الامام العزيز بالله إلى أبي عبد الله محمد بن النعمان يقول، إن القضاء لك من بعد أخيك ولا نخرجه عن هذا البيت وهكذا ولي مرتبة قاضي القضاة بعد أخيه، وكان في حياة أخيه ينوب عنه في القضاء. فإنه لما سافر العزيز بالله إلى حرب القرامطة سنة 368 وسار علي في صحبته استخلف أخاه محمدا في القضاء: ولد محمد بالمغرب سنة 345 ه وقدم القاهرة مع أفراد الأسرة، وما زال بها حتى ولي القضاء وكان جيد المعرفة بالأحكام، متفننا في علوم كثيرة، حسن الأدب والدراية بالأخبار والشعر وأيام الناس. وقد مدحه الشاعر عبد الله بن الحسن الجعفري السمرقندي بقوله:
تعادلت القضاة علي أما * أبو عبد الاله فلا عديل وحيد في فضائله غريب * خطير في مفاخره جليل تألق بهجة ومضى اعتزاما * كما يتألق السيف الصقيل ويقضي والسداد له حليف * ويعطي والغمام له زميل لو اختبرت قضاياه لقالوا * يؤيده عليها جبرئيل إذا رقي المنابر فهو قس * وإن حضر المشاهد فالخليل فلما قرأ محمد بن النعمان هذه القصيدة كتب إلى الشاعر:
قرأنا من قريضك ما يروق * بدائع حاكها طبع رقيق كان سطورها روض أنيق * تضوع بينها مسك فتيق إذا ما أنشدت أرجت وطابت * منازلها بها حتى الطريق وإنا تائقون إليك فاعلم * وأنت إلى زيارتنا تتوق فواصلنا بها في كل يوم * فأنت بكل مكرمة حقيق ومما يروي له أيضا قوله:
أيا مشبه البدر بدر السماء * لسبع وخمس مضت واثنتين ويا كامل الحسن في نعته * شغلت فؤادي وأسهرت عيني فهل لي من مطمع أرتجيه * وإلا انصرفت بخفي حنين ويشمت بي شامت في هواك * ويفصح لي ظلت صفر اليدين فاما مننت وإما قتلت * فاتت القدير على الحالتين وفي سنة 375 عقد لابنه عبد العزيز بن محمد بن النعمان على ابنة القائد جوهر الصقلي في مجلس العزيز، ثم قرر ابنه هذا في نيابته عنه في الأحكام بالقاهرة ومصر.
وعلت منزلة محمد بن النعمان عند الامام العزيز بالله حتى إنه كان يصعد معه على المنبر وكان مهيبا محترما. حتى إن أحدا لم يكن يخاطبه إلا بسيدنا ويروي ابن خلكان عن ابن زولاق المؤرخ المصري: ولم نشاهد بمصر لقاض من القضاة من الرياسة ما شاهدناه لمحمد بن النعمان ولا بلغنا ذلك عن قاض بالعراق ووافق ذلك استحقاقا لما فيه من العلم والصيانة والتحفظ وإقامة الحق والهيبة فكانت هذه المكانة التي حظي بها هذا القاضي سببا في أن ينقم عليه الوزير يعقوب بن كلس، ويخيل إلى أن الوزير كان يخشى اتساع نفوذ بني النعمان فحاول ما استطاع أن يكسر شوكتهم وينقص من قدرهم، فكان يعمد إلى أن ينقص أحكام القاضي، ويروي ابن حجر العسقلاني عن المسبحي أن الوزير ابن كلس كان كثير المعارضة لبني النعمان في أحكامهم، وروى قصة تدل على مدى خوف الوزير من اتساع سلطانهم ونفوذهم وما كان يضمره لهم، وبعد أن توفي العزيز بالله سنة 385 وولي الحاكم بأمر الله، أقر القاضي محمد بن النعمان على ما بيده من القضاء. وزادت منزلته عنده رفعة، ولكن محمدا تزاحمت عليه العلل، فتوفي ليلة الثلاثاء رابع صفر سنة 399 وصلى عليه الحاكم ووقف على دفنه، وحزن الحاكم لوفاته فلم يول أحدا مرتبة القضاء إلا بعد شهر، فقلد القضاء أبا عبد الله الحسين بن علي بن النعمان.
4 ولد أبو عبد الله الحسين بن علي بن النعمان بالمهدية سنة 353 ه وقدم مع أسرته إلى القاهرة المعزية، ومهر في علوم الفقه حتى صار أحد أقطاب فقهاء المذهب الفاطمي، وكان ينوب أحيانا عن عمه محمد بن النعمان في القضاء حتى وليه بعد وفاة عمه. وفي صفر سنة 391 بينما كان القاضي جالسا في الجامع بمصر يقرأ عليه الفقه أقيمت صلاة العصر فقام يؤدي الفريضة، وبينما هو في الركوع إذ هجم عليه رجل مغربي وضربه بمنجل في