مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ٢١٧
ويرحل يوم السبت في الخامس من المحرم 390 ه. 22 كانون الأول 999 م. منكفئا إلى بلاده.
وحول دور ابن حيدرة في النكاية بالبيزنطيين، وتولية قيادة طرابلس، يقول التهامي في قصيدة مدحه بها:
وإلى ابن عبد الواحد القاضي ارتمت بلدا * كساحة صدره فيساحا...
ما زال هذا الثغر ليلا دامسا * حتى طلعت لليله إصباحا فجلت له الأيام بعد عبوسها * وجها كوجهك مشرقا وضاحا وحكمت في مهج العدو بحكمة * قرنت برأيك غدوة ورواحا فسفكت ما كان الصلاح بسفكه * وحقنت بعض دمائه استصلاحا فوفود شكر المسلمين وغيرهم * تأتي إليك أعاجما وفصاحا وفي هذه القصيدة إشارة إلى أن ابن حيدرة قام بحملة أخمد فيها حركة لبني كلاب، وهي إحدى أهم القبائل المناوئة للدولة الفاطمية في فلسطين وجنوب لبنان، وهذه معلومة لم نجدها في المصادر التاريخية البحتة، حيث يقول التهامي:
غادرت أسد بني كلاب أكلبا * إذ زرتهم وزئيرهن نباحا فنسوا النساء ودمروا ما دبروا * ورأوا بقا أرواحهم أرباحا يتلو هزيمهم السنان كأنه * حران يطلب في قراه قراحا والسمر قد لفتهم أطرافها * لفا كما اكتنف البنان الراحا فمعفر حسد الحياة وهارب * حسد الرفات القبر والصفاحا حتى إذا اقتنت القنا أرواحهم * قتلا وفرقت الصفاح صفاحا رفعوا أصابعهم إليك ونكسوا * أرماحهم فثنين منك جماحا وتركت أعينهم ب‍ صور في الوغى * صورا وقد جاح الورى ما جاحا إلى أن يقول:
أنى تروم الروم حربك بعد ما * صليت بحربك محربا ملحاحا لم يرم قط بك الامام مراده * إلا جلوت عن الفلاح فلاحا ولقد غدوت أبا الحسين لجيشه * للقلب قلبا والجناح جناحا...
ويبرز دور ابن حيدرة مجددا في تثبيت النفوذ الفاطمي في بلاد الشام الشمالية، حين يلجأ أبو الهيجاء الحمداني إلى الإمبراطور باسيل فيما يستنجد مرتضى الدولة منصور بن لؤلؤ الجراحي بالخليفة الحاكم بأمر الله، ويتعهد بان يقيم على حلب واليا فاطميا من قبله. فرأى الحاكم في ذلك فرصة مناسبة لتدعيم نفوذه في حلب. وكان يرى أن عودة أبي الهيجاء إليها بمثابة عودة النفوذ البيزنطي إلى أهم مدن الشام الشمالية، ولذا سارع فانفذ إلى قاضي طرابلس ابن حيدرة وواليها القائد أبي سعادة بالتوجه نحو حلب، فخرجا في عسكر كثيف إليها، فاتفقت موافاة عسكر طرابلس إلى حلب مع نزول أبي الهيجاء بالقرب منها، وفتح مرتضى الدولة باب حلب للقاضي ابن حيدرة وأطلعه إلى القلعة، وسأله أن يكتب إلى الحاكم بواقع الحال بوساطة الحمام الزاجل، ولكن القاضي بادر فورا إلى الخروج للقاء أبي الهيجاء ومن معه من العرب، ووافاهم وقد عولوا على الجلوس إلى الطعام، ففاجأهم بالهجوم، وما لبثت القبائل العربية أن تخلت عن أبي الهيجاء، بعد أن كان مرتضى الدولة قد بذل لهم الوعود، فانهزم أبو الهيجاء راجعا إلى بلاد الروم، ونهب جميع ما كان معه.
وكان في قلعة إعزاز غلام من غلمان مرتضى الدولة، متهم بأنه كان يميل إلى أبي الهيجاء، فطلب منه مرتضى الدولة التنازل عن القلعة، فلم يجبه الغلام إلى ذلك، وتملكه الخوف منه، ولما شدد مرتضى الدولة طلبه، أجابه الغلام بأنه لا يسلم القلعة إلا إلى قاضي طرابلس. ولما كان ابن حيدرة ما يزال عند حلب فقد ذهب إلى القلعة وتسلمها من الغلام، ثم قام بتسليمها إلى مرتضى الدولة. وكتب إلى الخليفة الحاكم يطلعه على ذلك. وعاد إلى مرتضى الدولة يطلب منه إنجاز وعده الذي قطعه للخليفة بإقامة وال فاطمي على حلب، ولكن مرتضى الدولة دافعه ولم يبر بوعده. واضطر ابن حيدرة أن يعود إلى طرابلس دون أن يحقق ما كان يرغب به الخليفة.
وفي هذه الأثناء أي سنة 400 ه. 1009 م كان التهامي بطرابلس، فقال يذكر خروج ابن حيدرة إلى حلب وعودته منها في القصيدة التي مر بعض أبياتها:
شاء المهيمن أن تسير مشرفا * حلبا فقيض ما جرى وأتاحا وأردت إصلاح الأمور فأفسدت * فنهضت حتى استحكمت إصلاحا كانوا يرونك مفردا في جحفل * ووراء سور إن نزلت براحا ولا شك أن هذه القصيدة وأخرى غيرها، كانتا قبل مقتل ابن حيدرة بوقت قصير، حيث نقم الخليفة الحاكم على القاضي لكونه سلم قلعة إعزاز لمرتضى الدولة، فبعث إلى طرابلس قائدا وخادمين له فقطعوا رأسه وحملوه إلى مصر في أول سنة 402 ه.
وهكذا خسرت طرابلس قاضيا من أعظم قضاتها الذين أثبتوا صدق ولائهم للخلافة الفاطمية، وكان مثالا للقضاة العلماء العاملين، والمجاهدين المنافحين عن كرامة طرابلس الاسلامية ضد الغزاة الطامعين، والخونة المستسلمين.
وفي قصيدة ثانية للتهامي بحق القاضي ابن حيدرة نقف على معلومة مفادها أن نفوذه كان يصل إلى مدينة صور، وأنه كان يحسن لأهلها رغم أنهم كانوا يتمردون على الخلافة من حين لآخر، ولعله كان ينتدب من طرابلس من يتولى تصريف أمورها حين تكون خالية من الولاة، حيث يقول التهامي:
أعدى ندى كفيه صور وأهلها * والبدر يقلب طبع كل ظلام ولو أن صورا جنة ما استكثرت * وأبيك من غلمانه لغلام يعفو فيفعل حلمه بعدوه * ما تفعل الأسياف بالأجسام...
من آل حيدرة الذين شعارهم * فيض الندى الهامي وضرب الهام قهروا بحار الأرض أجمع بالندى * وجبالها برجاحة الأحلام يتسنمون من المعالي مرتقى * عنه تزل مواطئ الأقدام يتتابعون إلى العلاء تتابعا * كتتابع الأقدام في الاقدام يقعون من هذا الزمان وأهله * كمواقع الأعياد في الأيام ألفيت منهم في طرابلس ندى * ترك الكرام لدي غير كرام...
ويضيف التهامي أيضا إلى معلوماتنا معرفة أحد أبناء القاضي ابن حيدرة هو: أبو يحيى محمد بن علي بن حيدرة حيث لم نجده واردا في
(٢١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 212 213 214 215 216 217 218 219 220 221 222 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370