قريبا من بحيرة طبريا بفلسطين، وجرى من الأحداث مما ليس هنا مكان تفصيله.
ولكن لا بد من القول أن حسان بن مفرج قد توسل بعد ذلك لتحقيق مآربه الانفصالية، بالاستنجاد بالبزنطيين على الفاطميين.
ويبدو جليا أن التهامي حين اعتقل في القاهرة كان يحمل رسائل من حسان لتحريض بني قرة على مشاركته في الثورة، كما يبدو من وصف ابن خلكان للرسائل بأنها كثيرة، أن تلك الرسائل كانت موجهة إلى غير بني قرة أيضا ممن يأمل حسان بن مفرج مشاركتهم وبالرغم من استخفاء التهامي فقد كشفته عيون الانفصالية، بالاستنجاد بالبيزنطيين على الفاطميين.
والتهامي منسوب إلى تهامة الواقعة بين الحجاز واليمن، وتطلق أيضا على مكة، ويتساءل ابن خلكان عما إذا كان الشاعر منسوبا إلى المكان الأول أم إلى المكان الثاني.
ونحن حين ننشر ترجمته هنا، فلأن صاحب الأمل وصاحب نسمة السحر ذكرا تشيعه، وتبعهما صاحب تكملة الأمل، وعليهم وحدهم العهدة في ذلك.
وفيما يلي ما كتبه عنه الدكتور عمر تدمري:
في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري العاشر ميلادي قام أبو الحسن علي بن محمد بن فهد التهامي من أهل تهامة الواقعة بين الحجاز واليمن، برحلة زار فيها الشام والعراق وفارس، ونزل فلسطين مدة حيث ولي الخطابة في المسجد الجامع بمدينة الرملة، ثم دخل في آخر رحلته مصر مستخفيا وهو يحمل كتبا كثيرة من حسان بن مفرج بن دغفل أمير بني طيء الخارج على الدولة الفاطمية إلى بني قرة، فظفر به الفاطميون وأودعوه السجن خزانة البنود بتهمة التآمر والعمل على طلب الملك لنفسه، ثم قتل سرا داخل سجنه في التاسع من جمادى الأولى سنة 416 ه. 1025 م (1) ويكاد التهامي أن يكون الشاعر الحجازي الوحيد الذي قام برحلة من بلاده وطوف في العراق والشام وفارس وغيرها، وتكسب بشعره، فمدح الأمراء والأعيان المعاصرين له في المدن التي دخلها، على طريقة غيره من غالب شعراء العصر الوسيط.
ونحن في هذه الدراسة للشاعر التهامي لا تستوقفنا حياته ولا أغراض شعره، ولا إظهار محاسنه أو مواطن ضعفه، فهذا لا يدخل في اختصاصنا، فقد كفانا الباحثون مؤونة هذا النوع من الدراسة. ولكن الذي يعنينا هو المعلومات التاريخية التي تتوفر، ولو في نقاط موجزة، أو إشارات عابرة، في دواوين الشعراء، وغالبا ما تكون تلك المعلومات نادرة المثال، وخاصة ما يتعلق منها بتاريخ ساحل الشام في العصر الاسلامي. وهذه حقيقة يجب على كل باحث لتاريخ هذه المنطقة أن يأخذها باعتباره، فلا يسقط من مصادره الأساسية دواوين الشعراء، خصوصا إذا كان أولئك الشعراء من الرحالة، حيث يوضع شعرهم في خدمة التاريخ.
فالشاعر التهامي تنقل في رحلته بين مكة، ودمشق، وبغداد، والري، والموصل، وآمد، وميافارقين، والكوفة، والأنبار، وحلب، وطرابلس الشام، وصور، والرملة، والقاهرة، في وقت كان فيه الشرق العربي يخضع لنفوذ دولتين هما: الدولة الفاطمية في مصر، والدولة السلجوقية في العراق، وهما تتجاذبان السيطرة والنفوذ على بلاد الشام، فيما الدولة البيزنطية تتحين الفرص للوثوب على سواحل الشام وأطرافها الشمالية المتاخمة لممتلكاتها في آسية الصغرى، حيث دولة بني حمدان. كان هذا هو الواقع السياسي العام في المشرق العربي. أما الواقع السياسي الخاص في ساحل الشام، وبشكل أخص ما يطلق عليه الآن اسم لبنان، فقد كان بكل مدنه وقراه الساحلية خاضعا للخلافة الفاطمية، بينما كانت دمشق والمناطق الداخلية خاضعة للنفوذ السلجوقي.
وكان البيزنطيون يعملون على استغلال ذلك الصراع بين الدولتين ليمدوا نفوذهم إلى بلاد الشام الشمالية، وبعض المدن الساحلية، ويؤلبوا أمراءها وولاتها على الخلافة الفاطمية، وهذا ما فعلته مع كل من مدن: حلب، وطرابلس، وصور.
وفي ديوان أبي الحسن التهامي إشارات ولمحات يمكن أن تخدم بعض المعلومات التاريخية وغيرها، أو تؤكدها. وبما أن دراستنا تقتصر على نطاق ساحل الشام الذي يشتمل جغرافيا على لبنان، فإننا يمكن أن نضع تاريخا تقريبيا لدخول التهامي مدينة طرابلس، وهو يقع في الفترة بين سنتي 385 402 ه. 995 1011 م. وهي الفترة التي برز فيها على مسرح الأحداث دور قاض من أهل مدينة طرابلس يدعى أبو الحسين علي بن عبد الواحد بن حيدرة، وكان هذا القاضي من أهم شخصيات المدينة الذين التقاهم التهامي ومدحهم بشعره.
ففي الديوان:
قصيدتان في مدح القاضي أبي الحسن علي بن حيدرة صفحة 10.
وقصيدة واحدة في مدح أبي يحيى محمد بن حيدرة صفحة 15.
وقصيدة واحدة في مدح أبي محمد حسين بن حيدرة صفحة 111.
وثلاث قصائد في مدح أبي القاسم هبة الله بن حيدرة صفحة 160 و 175 و 183.
ومن الواضح أن القصائد اقتصرت فقط على بعض أفراد أسرة بني حيدرة الطرابلسيين، وليس في الديوان أي قصيدة أخرى بحق غيرهم من أهل طرابلس.
وهناك قصيدة واحدة بحق أحد الشخصيات في مدينة صور، هو محمد بن سلامة، حتى أن هذه المعلومة كاد يعتريها الشك، لولا ما جاء في أبيات القصيدة. فقد جاء في الديوان صفحة 1115 هذا العنوان:
وقال يمدح أبا محمد بن الحسن بن الجواد في الكوفة، ويقال في محمد بن سلامة بصور.
وجاء في بعض أبيات القصيدة صفحة 117:
حسن الشمائل أوحد في حسنه * كمحمد بن سلامة في جوده البحر بعض حدوده والفضل بعض * شهوده والنصر بعض جنوده