أن شرب المغول الخمر سكروا وطلبوا الوجه الحسن، وبلغت الفضيحة إلى درجة أن طلبوا عورتيهما. فقال الإخوان: يكفي ما تحملناه من العار، فلترفع رؤوسنا فوق المشنقة فسلا سيفهما وقتلا المغول الخمسة وخرجا من البيت وقالا إننا نسلم رأسينا للمشنقة وهكذا بدأت الانتفاضة (1).
ويقول حافظ أبرو في كتابه... كان الأغلبية من الأهالي في قرية باشتين من أعمال ولاية بيهق قد أصبحوا من مريدي الشيخ حسن، ولهذا كانوا منذ مدة قد استعدوا للانتفاضة... ومن أجل أن نعرف مدى أهمية عملية هذين الأخوين الشيعيين مريدي الشيخ حسن الجوري في قتل الأفراد المغول الفاسدين الظالمين، وخروجهما من البيت بفخر واعتزاز، والاعلان بصوت عال أننا نسلم رأسينا للمشنقة، يحسن بنا أن نقرأ الأسطر أدناه الذي أشار إليها العالم الروسي في ذيل كتابه: يشير رشيد الدين في كتابه جامع التواريخ إلى اعتداءات أفراد المغول المتكررة الذين كانوا يدخلون القرى ويقيمون فيها على نواميس وأعراض النساء، ويقول على لسان عمدة إحدى القرى إنه بعد مرور عدة أعوام سوف لا نجد طفلا حلالا وإن ما سيبقى سيكون من اللقطاء وأبناء الحرام أولاد الأتراك والهجناء.
أول أمير في سلالة السربداريين عبد الرزاق العلوي السبزواري تلقى الخواجة علاء الدين هندو وزير حاكم خراسان نبا مقتل خمسة من أفراد طائفة المغول على أيدي شقيقين من مدينة سبزوار، بتلك البسالة والجرأة اللتين لا مثيل لهما في ذلك العصر وفي هذه الأيام وصل إلى قرية باشتين المدعو عبد الرزاق وهو نجل أحد الملاكين المحليين، وقد تزامن مجيئه مع قدوم رسول من جانب الخواجة علاء الدين هندو، لاستدعاء حسن حمزة وحسين حمزة.
فطلب الموفد المذكور الأخوين المذكورين لمعاقبتهما بسبب قتلهما خمسة من المغول. فرد عليه عبد الرزاق عمدة القرية قائلا: قل للخواجة إن أفراد طائفة المغول قتلوا لأنهم ارتكبوا الفضائح.
فلما عاد الرسول إلى علاء الدين هندو وأبلغه بالجواب، غضب علاء الدين وأرسل مائة من أفراده لاستدعاء الشقيقين واعتقالهما. فراجعوا عبد الرزاق لهذا الأمر، فخرج عبد الرزاق من القرية وحارب أفراد علاء الدين وهزمهم ثم أخذ يستعد للحرب فجمع أهالي قرية باشتين وثار بهم.
كما شوهد مرارا في القرون الوسطى، فان هذه الانتفاضة التي قام بها القرويون لم يكن يتزعمها أو يقودها زعيم وطني حقيقي، بل تزعم الحركة شاب كان ابن ملاك القرية الخواجة جلال الدين فضل الله الباشتيني كان من عائلة غنية عريقة ويصل نسبه الأبوي إلى الإمام الحسين بن علي. ففي القرن الرابع عشر الميلادي لم ينتم سادة باشتين إلى طبقة الأقطاعيين ولكن كانت لهم مكانتهم بين أعيان المنطقة في ولاية بيهق.
ويقول دولتشاه في كتابه حول عبد الرزاق ما يلي:
كان عبد الرزاق في البداية من جماعة السربداريين وهو ابن الخواجة فضل الله الباشتيني الذي كان في الحقيقة من حاشية ملك جوين. وباشتين قرية من أعمال مدينة سبزوار... وكان عبد الرزاق شابا شجاعا طويل القامة حسن المنظر.
وعلى هذا فان سلالة جماعة السربداريين هي من سلالة الإمام الحسين ع... فانضم عبد الرزاق إلى جانب القرويين بعزم راسخ بعد أن اطلع على الأحداث التي مرت على مسقط رأسه ودعاهم إلى الانتفاضة على رجال المغول. إن هذا القرار كان هينا وبسيطا على عبد الرزاق، لأنه لم تكن تربطه بعد هذا مع الايلخان أية صلة، ولم يكن يفقد شيئا. إن هذا الشاب كان يأمل أن يقوم بحركته بالتعاون مع القرويين فيستولي على إقليم واسع.
ويقول المؤرخون: إن جماعة من القرويين الأبطال المسلمين اختاروا عبد الرزاق قائدا عليهم بسبب قدرته البدنية وشجاعته اللتين اشتهر بهما. وقد اختار المنتفضون كلمة السربداريين لأنفسهم، إن رواية المؤرخين التي تشير إلى تاريخ جماعة السربداريين تقول إن هذه العبارة تعني المحكومين عليهم بالشنق، اليائسين غير المعفو عنهم (2) ويبررون ذلك بقولهم: إن المنتفضين كانوا يقولون: إن جماعة من المفسدين الذين سيطروا على الناس يظلمون الأهالي، فإذا وفقنا الله فسنقضي على الظالمين وظلمهم، وفي غير هذه الحالة نفضل أن نشنق لأننا لا نتحمل الظلم والعدوان أكثر من هذا.
وتعتقد أغلبية المصادر الموجودة أن انتفاضة باشتين قامت في الثاني عشر من شهر شعبان سنة 737. وأن علاء الدين محمد هندو وزير حاكم خراسان أرسل ألفا من فرسانه المسلحين للقضاء على الانتفاضة إلا أن القرويين سحقوا قوات علاء الدين وأرغموها على الهزيمة، وأن المنتفضين قرروا القضاء على علاء الدين محمد هندو نفسه.
فهرب مع ثلاثمائة من رجاله من فريومد إلى أسترآباد التي كانت مقر الأمير الشيخ علي حاكم خراسان، إلا أن جماعة السربداريين لاحقوه ووصلوا إليه واعتقلوه وقتلوه بالقرب من منطقة كبود جامة الجبلية في كركان. ثم استولت جماعة السربداريين على أموال وخزائن علاء الدين محمد هندو وتقاسموها بينهم. وكانت قوات جماعة السربداريين تتألف آنذاك من سبعمائة رجل مسلح. ويقول ظهير الدين المرعشي في كتابه: إن جميع الأحرار انخرطوا في جماعة السربداريين وكانت نشاطات هذه الجماعة تقتصر في البداية على حروب غير نظامية ضد الأقطاعيين المغول الكبار أو أنصارهم. ويقول ابن بطوطة الذي كان قد سمع الكثير من الحكايات عن جماعة السربداريين من معارضيهم، كان سبعة قادة أبطال على رأس جماعة السربداريين في البداية:
مسعود وجيه الدين مسعود، شقيق عبد الرزاق محمد ربما المقصود هو إي تيمور محمد، مملوك مسعود وخمسة من رفاقهما.
وكانت وجهة نظر ابن بطوطة حول جماعة السربداريين الشيعة غير طبيعية بسبب تعصبه للسنة إلا أنه يقول عنهم إن نظام العدالة كان ساريا عندهم إلى درجة كانت النقود الذهبية والفضية ملقاة على الأرض في مخيماتهم ولا يمد أحد منهم يده لالتقاطها حتى يأتي صاحبها ويلتقطها....
إن جماعة السربداريين سيطرت على بقية المدن المجاورة أيضا، ويقول خواند مير لم يكن في جميع أنحاء ولاية بيهق من يجرؤ على الوقوف بوجه جماعة