كانت على طراز السربداريين لا محل للبلاطات الملكية وما تمتاز به من عظمة وجلال وأبهة التشيع، الحجر الأساس للحركات الشعبية لقد كتب العالم المستشرق الروسي في فصل عقائد هذه الحركات قائلا: إن و. وبارتولد يؤكد أن مذهب الشيعة كان عاما بين القرويين في القرون الوسطى في إيران، وكان في الكثير من الحالات يشكل أساس عقائد الحركات الشعبية ثم يقول العالم الروسي: إن الحركات القروية في إيران في القرون الوسطى توسعت وتنامت مرارا وتكرارا تحت راية الشيعة الخضراء. حيث أن بعض عقائد الشيعة وأفكارهم كانت متناسقة مع نفسية القرويين المعارضة. أولا لأن مذهب السنة كان هو الحاكم تقريبا على جميع الحكومات الإقطاعية في إيران في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين، وأن الشيعة كانوا هم المطاردين وهم الذين يعانون العذاب والتعذيب.
إن احترام الشهداء علي والحسين وبقية الأئمة الشهداء كان يحتل مكانة بارزة ومهمة في عقائد الشيعة، وهذا الأمر كان يريح القرويين المضطهدين. ولكن الأمر الذي كان يلائم عامة طبقات الشعب أكثر من أي شئ آخر هو عقيدتهم بظهور المهدي الذي سيعيد الدين الاسلامي إلى ما كان عليه في صدر الاسلام وسيقضي بالسيف على الشريعة المغولية والأنظمة الظالمة التي تداولها السنة والمغول المنتصرون ولهذا السبب فان انتظار المهدي يحتل مركزا مرموقا وهاما في عقائد الشعوب التي قامت بالانتفاضات في إيران في القرن الثالث عشر. كما ازداد ذلك رسوخا في القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين.
الشيخ خليفة العالم الديني الشيعي مؤسس حركة السربداريين الفكرية لقد بلغ الاستياء من الطغيان في الرأي العام ومختلف طبقات الشعب في قرى ومدن خراسان ذروته في السنوات الأخيرة من حكومة الايلخان أبي سعيد.
كما ظهر آنذاك واعظ ديني حاول التنظيم في حركة المضطهدين وانتفاضتهم وقيادة الحركة والانتفاضة بنفسه من الناحية الفكرية. ويعتقد المؤرخون في القرن الخامس عشر الميلادي المعاصرون لتاريخ السربداريين المفقود، أن الواعظ المذكور كان من كبار الصوفية ومن أهالي مازندران ويدعى الشيخ خليفة لقد درس العلم في أيام شبابه وحفظ القرآن وتعلم المنطق وعلم الفراسة ثم درس مبادئ التصوف وأصبح من مريدي بالو الزاهد من شيوخ الدراويش الذي كان يعيش في مدينة آمل بمازندران ولكن خليفة لم يجد في كلام الشيخ الإجابة على القضايا والمسائل التي كانت قد أزعجته ولهذا سافر إلى سمنان عند علاء الدولة السمناني الذي كان في عصره من أشهر الشيوخ الدراويش في إيران.
فسأله الشيخ يوما عن اعتقاده باي واحد من مذاهب السنة الأربعة الحقة؟ فاجابه خليفة قائلا: بان الذي أسعى إليه وأبحث عنه أعلى من هذه المذاهب، ولما كان الشيخ المؤمن لا يقدر أن يسمع كلام الكفر من هذا الملحد، فقد حطم دواته على رأس خليفة. ومن هنا توجه خليفة إلى بحرآباد عند شيخ الاسلام غياث الدين عبد الله الحموي، ولكنه لم يحصل هناك أيضا على مراده فانفصل عنه. ولكن عن ماذا كان يبحث خليفة؟ هل كانت ضالته القضايا والأمور الخاصة بالعدالة الاجتماعية ومكافحة الظلم والجور التي مارسها فيما بعد؟ لقد سكت المؤرخون حول هذا الموضوع وربما كان هذا الصمت متعمدا. ولكن ثبت أن خليفة لم يكن راضيا ومقتنعا بتعليمات وإرشادات أكبر شيوخ الصوفية وكان يختلف معهم في وجهات النظر. ولم يمض على ذلك وقت طويل حتى سافر إلى سبزوار وسمى نفسه شيخا. ويبدو أن خليفة لم يكن صوفيا بمعناه الحقيقي. وربما كان يستخدم عبارات ومصطلحات الصوفيين وجماعة أخوان الصفا للدعاية والتمهيد للتمرد ضد الظالمين. وكانت مدينة سبزوار وناحية بيهق الواقعة غرب مدينة نيسابور التي اختارها للدعاية، خير مكان لهذا الأمر حيث كان القرويون في منطقة سبزوار والفئة الدنيا من أهالي المدينة هم من الشيعة المتعصبين ومن المعارضين للسلطة القائمة.
كانت سبزوار من أهم مراكز الشيعة في إيران، وفي نفس الوقت كانت في مراكز القومية في البلاد. فعلى سبيل المثال كان في ساحة المدينة مكان تقول الأساطير القديمة جدا عنه بأنه مكان الصراع بين رستم وسهراب من أبطال ملحمة الشاهنامة. ويقول المؤرخون أن الشيخ خليفة أقام في المسجد الجامع في مدينة سبزوار بعد دخوله إلى هذه المدينة وكان يتلو القرآن بصوت عال ويعظ الناس وكان يلتف حوله عدد كبير من الطلبة والمريدين ولم تمض فترة من الزمن حتى أصبحت أغلبية القرويين في تلك المنطقة من مريدي الشيخ خليفة. وبعدها كما يروي حافظ أبرو في كتابه: كانت جماعة من فقهاء السنة تمنعه من الإقامة في المسجد، ولكنه لم يهتم بكلامهم، وقد استفتى هؤلاء بما يلي: شخص أقام في المسجد لينشر فيه البدع ولما منع من ذلك رفض، وأصر على ما هو عليه، ولم يغضب هل مثل هذا الشخص يجب قتله أم لا؟.
وجاء في كتب مير خواند وخواند مير روضة الصفا وحبيب السير ولكن بصورة غامضة: أن الشيخ كان يدعو الناس إلى الأمور الدنيوية.
والمقصود من كلمة الأمور الدنيوية حسب ما صرح به تلاميذه وأنصاره فيما بعد، العدالة العامة والصمود أمام الظلم والجور. ويقول حافظ أبرو في كتابه حول هذه الفتوى ما يلي: كتب الكثير من الفقهاء فقهاء السنة أن هذا الأمر غير مشروع ولما كان يصر على اللا مشروع ولا يغضب للنصح فيجب قتله، وأرسلوا هذا الجواب مع كتاب إلى السلطان سعيد أنار الله برهانه....
ولما كان هذا السلطان المغولي رجلا خرافيا وبعيدا عن المنطق، ويخاف من الدراويش:... أجاب على الكتاب قائلا: أنا لا أعترض على دم الدراويش، فعلى حكام خراسان أن يفصحوا عن هذا الموضوع ويعملوا حسب الشريعة النبوية الطاهرة على صاحبها أفضل الصلوات. فلما وصلت هذه الإجابة من السلطان، أخذ الفقهاء يسعون لسفك دم الشيخ خليفة وكانوا يقولون إنه مبدع ويجب قتله... وحاول فقهاء سبزوار بعد استلامهم لجواب السلطان أن يعتقلوا الشيخ خليفة، ولكن سعيهم ذهب هباء في