وأحمر بن شميط البجلي. ونظر إليهم عبيد الله بن الحر فحمل عليهم بأصحابه، فجعل يقاتلهم ويسوق امرأته بين يديه ولم يتبعه أحد من أصحاب المختار، فأنشأ يقول أبياتا مطلعها:
ألم تعلمي يا أم توبة أنني * أنا الفارس الحامي حقيقة مذحج إلى آخرها.
ثم نزل عبيد الله بن الحر على ميلين من الكوفة، والمختار يظن أنه قد رحل ومضى، حتى إذا كان الليل عبا أصحابه وأقبل رويدا حتى كبس الكوفة من ناحية قبائل همدان، فوقع بحي منهم يقال لهم بنو شبام. فقاتلهم وقاتلوه ساعة، ثم قصده مولى لهم يقال له الأحمق، والتقيا بضربتين بادره عبيد الله بن الحر بضربة أبدى عن دماغه فسقط قتيلا، ثم حمل عليهم ففرقهم يمنة ويسرة، ثم قال لأصحابه: انصرفوا عنهم الآن فقد أدركت من حي شبام ما أردت ليلتي هذه. ثم أنشأ عبيد الله بن الحر يقول أبياتا مطلعها:
صبحت شباما غارة مشمعلة * وأخرى نشاهدها صباحا لشاكر إلى آخرها. وأرسل المختار إلى قبائل همدان من أرحب وشبام وشاكر والسبيع ويام، فقال: شوه لكم يا معشر همدان! أن يكون رجل منكم يأتي في نفر من هؤلاء المتلصصة فيكبس دياركم، ثم يقتل ويفعل ويخرج عنكم سالما، أما لكم أنفة؟ أما فيكم من يخاف أن يعير بهذا آخر الدهر؟ فقال القوم: كفيت أيها الأمير! وإن ذلك لعار علينا كما ذكرت، غير أننا عزمنا على المسير إليه حيث كان، وليس نرجع إليك إلا برأسه، فابشر لذلك وقر عينا.
ثم اجتمعت قبائل همدان في ثلاثمائة فارس، حتى وافوا الكوفة في رونق الضحى، وهمدان يومئذ في ثلاثمائة من قبائلهم وثلاثمائة من أصحاب المختار، فلم يشعروا إلا وعبيد الله بن الحر قد وافاهم حاسر الرأس وهو يرتجز ويقول:
إني أنا الحر وابن الحر * ذو حسب مذحج وفخر وقادح لكم غداة الذعر * بالضرب أحيانا وطعن شزر وتنادت همدان من كل ناحية، وحملوا عليه وحمل عليه السبيع، ويقول له عمرو بن نفيل: إلي يا بن الحر! ودع الناس جانبا! فحمل عليه ابن الحر، والتقيا بضربتين ضربة ألزمته الحضيض، ثم ولى وولى القوم الأدبار، فكف عنهم ابن الحر وقال لأصحابه: لا تتبعوهم! فحسبهم ما نالهم عارا، وكفاهم ما نالهم به ذلا وشنارا، إنهم أصبحوا في ديارهم فما حموا كريما، ولا منعوا حريما.
قال: ثم خشي عبيد الله بن الحر أن تدهمه خيل المختار بأجمعها أو تجتمع عليه أهل الكوفة فلا يكون له بهم طاقة، فصاح بأصحابه ومضى حتى خرج من الكوفة، فأنشأ يقول أبياتا مطلعها:
لقيت شباما عند مسجد مخنف * وقبل شبام شاكرا وسبيعا إلى آخرها ثم جعل عبيد الله بن الحر يغير على سواد الكوفة، ويقتل نواب المختار، ويمثل بهم، ويكبس المدن والقرى، ويأخذ الأموال حتى إذا علم أنه قد استقل بالأموال واكتفى من الرجال والآلة والسلاح سار إلى البصرة، وبها يومئذ مصعب بن الزبير في وجوه الأزارقة، فاستأمن إليه عبيد الله بن الحر.
قال: فقربه مصعب وأدناه وأجلسه معه على سريره وأكرمه كرامة لم يكرم مثلها أحدا قبله ممن قصده، وجعل ابن الحر يحدث مصعبا بما كان من أمره وأمر المختار وإبراهيم بن الأشتر وبلغ ذلك المختار، فكأنه سر بمسير عبيد الله بن الحر إلى مصعب بن الزبير.
وكان مصعب قد ولى رجلا سخيا يقال له زحر بن قيس الجعفي جميع سواد الكوفة، وكان زحر بن قيس هذا رجلا سخيا، لا يبقي على شئ، فاتلف مال السواد، حتى كسر على مصعب سبعون ألف درهم، فأخذه مصعب فحبسه، فلم يكن عنده ما يؤدي.
وجاء عبيد الله بن الحر حتى دخل على مصعب بن الزبير وسأله في زحر بن قيس، فأبى عليه أن يشفعه فيه، فقال ابن الحر: أيها الأمير! المال علي من دونه! فاطلقه. فلما كان بعد ذلك بمدة يسيرة بعث مصعب إلى عبيد الله بن الحر يقتضيه المال، فقال ابن الحر للرسول: ارجع إلى الأمير فقل له: يقول لك عبيد الله بن الحر: أيها الأمير! أما ما كان لك علينا فإنك تقتضيه منا، وما كان لنا عليك فلا تؤديه! أيها الأمير! إنما سرت إليك إلى البصرة معونة وتقوية لك! وقدمت معك إلى بلدي فأعنتك بنفسي وعشائري حتى قتلت المختار وظفرت بما تريد، لنصير منك إلى ما صار غيرنا من الولاية والحبا والكرامة، وكان ما وعدتنا قديما ورجونا هباء منثورا. فسار الرسول إلى مصعب بن الزبير فأخبره بذلك، فامسك عنه مصعب وفي قلبه منه ما في قلبه، فأنشأ عبيد الله بن الحر في ذلك يقول:
متى تسألوني ما علي وتمنعوا الذي * لي لم أستطع على ذلكم صبرا أهان وأقضي ثم ترجى نصيحتي * وإني امرؤ يوفي نصيحته قسرا رأيت أكف المفضلين لديكم * ملاء وكفي من عطائكم صفرا وقدما كففت النفس عما يريبكم * ولو شئت قد أغليت في حربكم قدرا ولو شئت قد سارت إليكم كتائب * رآها سراعا نحو عقوتكم غبرا عليها رجال لا يخافون في الوغى * سهام المنايا والردينية السمرا ثم أرسل عبيد الله بن الحر إلى فتيان صعاليك العرب فدعاهم وأخذ بيعتهم على أن يخرجوا معه على مصعب بن الزبير، فأجابوه إلى ذلك. ثم خرج معه القوم وهم سبعون رجلا في جوف الليل، حتى إذا صار على فرسخين من الكوفة. واتصل هذا الخبر بمصعب ابن الزبير، فكأنه اغتم لذلك وخشي أن يخرج عليه ابن الحر في سواد الكوفة، فبعث إليه برجل يقال له سيف بن هانئ وكتب إليه: أما بعد! فقد بلغني ما قد عزمت عليه من أمرك، وقد وجهت إليك رسولي أدعوك فيه إلى طاعتي على أنك تقاتل معي أهل الشام، ولك عندي بذلك خراج بادوريا تأخذه لنفسك عفوا صفوا، فتفرقه فيمن أحببت من أهل بيتك وأصحابك وعشيرتك، فكف عما تريد أن تصنع والسلام. فلما قرأ عبيد الله بن الحر ضحك لذلك وقال: أو ليس لي خراج بادوريا وغير بادوريا من السواد، لا والله لا أجبت مصعبا إلى شئ أبدا. ثم أقبل على الرسول فقال له: إني أراك فتى ظريفا، فهل لك أن تصحبني فأغنيك عن مصعب بن الزبير؟ فقال له الفتى: جعلت فداك وإني أخاف على أهل بيتي وعشيرتي إن أنا فعلت ذلك، فلا تكلفني من الأمر ما لا أطيق. فانصرف إلى صاحبك راشدا فأخبره بما راشدا فأخبره بما سمعت. قال: فجاء