مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٤٧
وراية رفعت للمجد خافقة * تحوي على علم بالنصر منشور وعسكر ملأ الآفاق محتشد * من كل قطر من الأقطار محشور وهكذا نرى أن العرب كانوا في الدولة العثمانية يتمتعون بما يمكن أن نسميه بالاستقلال الذاتي، وأن للغتهم المكانة التي تستحقها، وأن تلك الدولة ردت عنهم الهجمة الصليبية، وإنها تحميهم من مثيلاتها، فلا عجب إذن أن يرتضوها.
أما حين تبدل الحال وبدأت تنمو في الأتراك الروح الطورانية، وبعد أن قام في الأتراك مثل عبيد الله من يدعو إلى طمس أسماء الخلفاء الراشدين المكتوبة على قباب المساجد التركية لأنها أسماء عربية وإبدالها بأسماء الخلفاء الأتراك. وبعد أن ألفت جمعية تورك ياوردي دعاء ليتلى في المساجد التركية جاء فيه: وأنت يا مملكة توران الجميلة المحبوبة أرشدينا إلى الطريق المؤدية إليك لأن جدنا أوغوز الكبير ينادينا.
أما حين صار الأمر إلى هذا الحال بعد أن كان في الأتراك مثل نامق كمال الذي يقول مخاطبا الوطن: اذهب أيها الوطن وتدثر بالسواد في الكعبة ثم ابسط إحدى ذراعيك إلى روضة النبي ومد الثانية إلى المشهد في كربلاء ثم افتح صدرك واخرج منه شهداءك وانثرهم على الملأ وقل: يا رب هؤلاء هم الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في سبيلك، بينهم من استشهد ببدر ومن استشهد في حنين.
أما حين حل عبيد الله محل نامق كمال، وحين فقد العرب كل حقائق الاستقلال الذاتي، وحين أصبح الحكم التركي حكما مركزيا متسلطا على العرب، وحين صارت اللغة العربية غريبة حتى في بلاد العرب، أما حين حل كل هذا وما هو شر من هذا، فقد بدأ التهامس العربي، ثم بدأت الأصوات ترتفع قليلا قليلا حتى تحولت إلى الجهر لا جهرا باللسان كما قلنا في مفتتح القول بل جهرا بالسنان، جهرا يتلظى بنيران البنادق ولهيب المدافع...
ومن الحقائق التي ليست معروفة أن الذين بدأوا بهذا التهامس، ثم أتبعوه بشئ من ارتفاع الصوت، هم الفقهاء. فالفقيه الفلسطيني الشيخ يوسف النبهاني زار استنبول باعتبارها عاصمة الخلافة الاسلامية، وباعتباره من كبار الفقهاء المسلمين، فأحس فيها التحول الجديد وشعر بما يبيت للعرب فتركها عائدا إلى بلاده قائلا:
ويممت دار الملك أحسب أنها * إلى اليوم لم تبرح إلى المجد سلما فألفيت فيها أمة عربية * يرى الترك منها أمة الزنج أكرما وما نقموا منا بني العرب خلة * سوى أن خير الخلق لم يك أعجما بني الترك أني تكلمت هاجيا * ولكن قلبي من جفاكم تكلما وسبقه إلى ذلك فقيه آخر من كبار الفقهاء اللبنانيين هو السيد نجيب فضل الله، أحس هو أيضا بما أحس به الفقيه النبهاني. وهو وإن لم يزر استنبول كان يلمح في الأفق انحرافا وإن كان لا يبدو شاملا فهو ينذر بالكثير.
فقصد إلى مكة حاجا واتصل بالشريف عون محرضا إياه على الثورة وإعادة الخلافة عربية.
وكما كان الشيخ يوسف النبهاني شاعرا فعبر عن نقمته بالشعر كذلك كان السيد نجيب فضل الله شاعرا هو الآخر فعبر عن ثورته بالشعر أيضا، فقال من قصيدة يخاطب بها الشريف عون:
إني وجدتك يا بن بنت محمد * أرج الخلافة من ثيابك يعبق لو قمت فينا ملهبا نار الوغى * خفت إليك بنا الجياد السبق يحملن منا كل أشوس أقعس * بحسامه هام الكماة تفلق وما دمنا في حديث الشعر فان شعرا سبق شعر هذين الفقيهين في هذا الموضوع، وكان هذا الشعر عراقيا، هو شعر الشاعر احمد الشاوي الذي قال:
الا ليت شعري والأماني ضلة * وعمر الفتى ان عاش ما عاش للهلك أمخترمي ريب المنون ولم أكن * لأدرك للاسلام ثارا من الشرك وأبرد من صهب العثانين غلتي * وأشفي واستشفى غليلي من الترك على أن التحرك العربي الفعال كان بعد سنة 1908، سنة إعلان الدستور العثماني، فالذين أسقطوا السلطان عبد الحميد وأعلنوا الدستور إعلانا نهائيا كانوا جماعة حزب الاتحاد والترقي. وقد هلل العرب للعهد الجديد وأنشأوا للحزب فروعا في بلادهم، وحسبوا أن الحرية ستشملهم. وشيئا فشيئا بدأت تتكشف نوايا الاتحاديين وأخذت الدعوة الطورانية (1) بالتظاهر وأطل التتريك واضحا.
وكان وراء حزب الاتحاد والترقي جمعية تركيا القتاة، التي كانت هي الموجه الفعلي للاتحاد والترقي، وكان الحزب وجهها العلني، بينما كانت هي قاعدته السرية.
وبالمقابل عمل الشبان العرب على إنشاء جمعية العربية الفتاة، وكان منشؤوها طلابا يدرسون في باريس، وكانوا يدركون نوايا الاتحاديين، فقاموا سنة 1911 بتأليف جمعيتهم. وكان هدفها كما قالت: النهضة بالعرب وإيصالهم إلى مصاف الأمم الحية. ولم تذكر الجمعية كلمة الاستقلال، ولكنها في الحقيقة كانت تعمل من أجله بعد أن بدا من الاتحاديين ما بدا...
وفي صيف سنة 1913 أنهى أكثر أعضاء الهيئة الإدارية للجمعية دراستهم في باريس وعادوا إلى بلدانهم، ولما كان بعضهم من بيروت فقد أعيد تأليف الهيئة فيها، وبدأت الجمعية نشاطها السري وأنشأت جريدة المفيد مظهرا علنيا لها. كما أنها وضعت تصميم العلم العربي بألوانه الثلاثة: الأخضر فالأبيض فالأسود، الذي أضيف إليه عند إعلان الثورة في الحجاز اللون الأحمر.
ولما اشتركت الدولة العثمانية في الحرب العامة الأولى 1 تشرين الثاني 1914 أصبحت دمشق مقر قيادة الجيش الرابع ومركز العمل في سورية، فانتقلت لهيئة الإدارية لجمعية العربية الفتاة إلى دمشق وواصلت عملها السري، ثم اتصلت بجمعية العهد العسكرية لتوحيد الجهود العربية.
وحتى هذا الوقت لم تشأ الجمعيتان معاداة الأتراك أو عرقلة مجهودهم

(1) نسبة إلى طوران، وهي البلاد الواقعة شمال شرقي إيران، ويقصد بها موطن الترك القدامي، ومنها اخذ ما عرف باسم (الحركة الطورانية) التي نادى بها في العصر المتأخر غلاة الترك داعين إلى الرابطة الطورانية وسيادة العنصر التركي.
(١٤٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 142 143 144 145 146 147 148 149 150 151 152 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370