مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ٢ - الصفحة ١٤٩
حزب الشعب ثم الثورة لقد حقق الجنرال غورو حلمه فدخل دمشق فاتحا بعد معركة ميسلون 24 تموز 1920، وقضى على الاستقلال فيها وتشرد الوطنيون في كل مكان، وحكم الفرنسيون سوريا بالحديد والنار وقسموها إلى دويلات: دولة دمشق، ودولة حلب، ودولة جبل الدروز، ودولة العلويين، ولواء الاسكندرون. وخفت الصوت الوطني عند تشتت قادته وهمدت الحركة.
ولاعطاء فكرة واضحة عما كان عليه الحال من الهوان والهمود، وللتدليل على ما كان للرجال الذين تالف منهم حزب الشعب بعد ذلك من فضل في تحويل الأمر من هوان وهمود إلى عنفوان وثورة، نقول إن دخول الجنرال غورو إلى دمشق لم يكن دخولا هينا، بل كان نقطة سوداء، إن لم نقل صفحة سوداء في تاريخ البلاد في تلك الحقبة.
لم تكن دماء البطل يوسف العظيمة ودماء رفاقه شهداء ميسلون قد جفت بعد، حين استطاع عملاء الاستعمار أن يحملوا جماهير دمشق على أن تخرج بقضها وقضيضها وعراضاتها وأهازيجها إلى مدخل دمشق في المنشية لاستقبال فاتح دمشق الجنرال غورو.
هذه الجماهير نفسها كانت قد خرجت قبل بضعة عشر يوما بقضها وقضيضها وعراضاتها وأهازيجها لتودع الذاهبين لقتال جيش الجنرال غورو الزاحف لفتح دمشق، والكثير منها كان من بين الذين ذهبوا للقتال وشاركوا فيه.
ونزل الجنرال من سيارته التي أقلته من بيروت إلى باب دمشق، وصعد المركبة المجرورة بالخيل ليدخل دمشق متأنيا، مستمتعا بهذا الاستقبال الشعبي الباهر أطول وقت.
وهنا تقدم أبو شكري الطباع ورفاق له ففكوا حصاني المركبة وربطوا أنفسهم مكانهما وجروا مركبة الجنرال غورو، فدخل فاتح دمشق إليها مجرورة عربته بأبناء دمشق...
ولم تنكر الجماهير الحاشدة هذا، بل ظلت أهازيجها مدوية، وهتافاتها متعالية، وربما كان المنظر قد زاد في دويها وتعاليها...
وقد كان أبو شكري الطباع بعد ذلك يعتذر عن فعلته بان قريبا له كان محكوما من الفرنسيين بالاعدام، وأنه رجا بما فعل أن يناله عفو من الجنرال.
على أن دمشق الحقيقية لم تكن هي التي تمشي هذه المشية لاستقبال غورو، ولا كان أبو شكري الطباع ورفاقه هم الذين يمثلونها، بل إن دمشق الحقيقية كانت مكبوتة وراء جدران منازلها الضاوية، وفي حنايا أزقتها الخاوية، هي التي كان يمثلها شاعرها الشاب أديب التقي (1) فيهتف بشعره قائلا:
أأهل دمشق كيف سالمتم العدى * وكيف رضيتم بالمذلة والأسر ونمتم على شوك الهوان وتلكم * ضحاياكم في ميسلون قرى النسر بلادكم اجتيحت وتلك رجالكم * موزعة الأشلاء في مهمه قفر أتغفون والأقذاء ملء جفونكم * ولم تثاروا بالهالكين بلا وزر ألا هل دريتم أنكم إذ خرجتم * تلاقون غورو قد صبأتم إلى الكفر ومن عجب أن تخرجوا للقائه * وتلكم دماكم في الربى لم تزل تجري ثم بدأ فريق من القياديين النازحين يتسللون إلى دمشق، ولكن ظلوا فيها مشتتين متفردين، قد يلتقون ولكن بتحفظ وقد يتكلمون ولكن بتهامس حتى كان شهر نيسان من السنة 1922 فإذا بالدكتور عبد الرحمن الشهبندر يتلقى لاعتباره من خريجي الجامعة الأميركية في بيروت رسالة من رئيس الجامعة وفيها عزم المستر كراين على زيارة دمشق. والمستر كراين هو الذي كان سنة 1919 رئيسا للجنة الاستفتاء التي قدمت سوريا ولبنان لاستفتاء أهلهما حول ما يريدون في شان الاستقلال والانتداب وما إلى ذلك وبدا المستر كراين يومذاك. بمظهر الصديق للاستقلاليين العرب وترك في نفوسهم أثرا طيبا.
ووصل كراين إلى دمشق، وفي 2 نيسان 1922 أي بعد 21 شهرا. من معركة ميسلون وزوال الاستقلال العربي السوري، وفي جو من الاستسلام الوطني الكامل التقى الشهبندر المستر كراين في فندقه في دمشق، فطلب إليه كراين أن يجمعه بأرباب الرأي في البلاد، فلبى رغبته، وعقدت اجتماعات في المنازل الدمشقية، كان رجالها يشكون من الاستعمار مر الشكوى، ويخطب الخطباء متحمسين حتى كان يوم سفر المستر كراين، فاحتشد لوداعه جمهور يهتف للاستقلال. وخطب الشهبندر وغيره، وما أن انطلقت السيارة بالمستر كراين ومضت حتى انقلب الأمر إلى مظاهرة كانت الأولى من نوعها بعد ذاك الكبت الطويل، ومشت الجموع في الشوارع هاتفة هازجة متحمسة.
وانتهى الأمر عند هذا الحد.
كانت المظاهرة مفتاح النضال الوطني الذي انفتح بابه على الفرنسيين في بلاد الشام كلها فاقض مضاجعهم طيلة احتلالهم لهذه البلاد.
ومؤرخ الأحداث العربية المعاصرة يجب أن يقف طويلا أمام هذا اليوم الدمشقي الأصيل، وأن يتحدث كثيرا عن رجاله، لأنه يوم كان له ما بعده، كما كان يقول الأقدمون.
إذا كان أمر المظاهرة الحماسية قد انتهى عند حد تفرق جمهورها وانصرافه إلى المنازل والدور، وإذا كان لم يبق له من مفعول إلا الذكرى الجميلة العذبة في أذهان المتظاهرين، فإنه لم يكن كذلك عند الجنرال غورو، فقد محت هذه الانتفاضة اللاهبة من ذاكرته ذلك الاستقبال المصنوع عند باب دمشق، ولم يعد في ذاكرته إلا اللهب المتوهج من يوم دمشق الحماسي، وأيقن أن دمشق ليست هي التي بدت له حول المنشية، ولا رجالها هم الذين جروا عربته بأجسادهم. بل إن دمشق هي التي بدت له عند روابي ميسلون، وإن رجالها هم الذين تساقطوا برصاص جنوده على قمم تلك الروابي، وفي أجزاعها وسفوحها، وإن بقايا السيوف إن كانوا قد قبعوا إلى حين، فإنهم قد وثبوا في هذا الحين.
لذلك حزم أمره وتذكر أنه القائد العسكري الصارم الذي لا يقعقع له بالشنان كما كان يعبر الأسلاف، ففي السابع من نيسان ألقت السلطات الفرنسية تنفيذا لأوامره القبض على كل من الدكتور عبد الرحمن شهبندر وسعيد حيدر وحسن الحكيم، وزجتهم في سجن القلعة مع المجرمين العاديين.

(1) راجع ترجمة أديب التقي في مكانها من (أعيان الشيعة).
(١٤٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 144 145 146 147 148 149 150 151 152 153 154 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة 5
2 آمنة القزوينية - إبراهيم القطيفي - البحراني - الخطي - أحمد الدندن - الصحاف 7
3 أحمد مسكويه 8
4 أحمد آل عصفور - البحراني 19
5 أحمد بن حاجي - الدرازي - الدمستاني - المتنبي 20
6 أحمد القطيفي 32
7 أحمد الغريفي 33
8 أحمد عصفور - الزاهد - الخطي - البحراني 41
9 أحمد البحراني - الزنجي - البلادي - العقيري 42
10 أحمد القطيفي - آل عصفور - الشايب - المصري 43
11 أحمد الصاحب 45
12 أحمد البحراني - الأحوص - إدريس الثاني 46
13 إدريس الأول 49
14 إسماعيل الصفوي 50
15 أم كلثوم القزوينية - أمانت 68
16 أويس الأول - أيوب البحراني - بابر 69
17 باقر الدمستاني - بيرم خان خانان 70
18 جارية بن قدامة السعدي 71
19 جعفر القطاع - البحراني 77
20 جواد علي - جويرية - حبيب بن قرين 78
21 حرز العسكري - حسن عصفور - القطيفي 79
22 الحسن الوزير المهلبي 81
23 حسن الدمستاني 92
24 الحسين النعالي - معتوق - آل عصفور 93
25 حسن الحيدري - البلادي - الحسين ابن خالويه 95
26 حسين الغريفي - البحراني - الماحوزي 98
27 الحسين الطغرائي 99
28 حسين الفوعي - القزويني 104
29 حسين نور الدين - الحسين بن سينا 105
30 حمد البيك 120
31 خلف آل عصفور - الخليل بن أحمد الفراهيدي 134
32 داود البحراني 138
33 درويش الغريفي - رقية الحائرية - رويبة - السائب - الأشعري - سعد صالح 139
34 سعيد حيدر 140
35 سليمان الأصبعي 151
36 شبيب بن عامر - صالح الكرزكاني - صخير 152
37 صدر الدين الصدر - طاشتكين 153
38 عبد الإمام - عبد الجبار - عبد الرؤوف - عبد الرضا - عبد الحسين القمي - ابن رقية 154
39 عبد الرحمان الهمداني - ابن عبيد 155
40 عبد الرحمان النعماني - عبد السلام بن رغبات ديك الجن 156
41 عبد الله الحلبي - عبد علي عصفور 158
42 عبد علي القطيفي - عبد العلي البيرجندي - عبد الغفار نجم الدولة 159
43 عبد الكريم الممتن 160
44 عبد الله المقابي - الحجري - البحراني - الكناني - الأزدي - ابن وال - الأزدي 162
45 عبد الله النهدي - الأحمر - عبد المحسن اللويمي 163
46 عبد النبي الدرازي - عبيد الله بن الحر الجعفي 164
47 عبيدة - عدنان الغريفي 172
48 علي الأحسائي - البحراني - المقابي - جعفر - الدمستاني 173
49 علي الصالحي - ابن الشرقية 174
50 علي بن المؤيد 176
51 علي باليل 183
52 سيف الدولة الحمداني - ابن بابويه 185
53 علي الغريفي 196
54 علي نقي الحيدري - ابن أسباط - الصحاف 201
55 علي الحماني 202
56 علي بن الفرات 211
57 علي التهامي 213
58 عمر بن العديم 218
59 عيسى عصفور - قيس بن عمرو النجاشي 220
60 كريب - مال الله الخطي - ماه شرف 222
61 محسن عصفور - محمد الأسدي 223
62 محمد الكناني 226
63 محمد بن أحمد الفارابي 227
64 محمد البيروني 232
65 محمد الدمستاني - السبعي - الشويكي - الخطي - السبزواري 245
66 محمد النيسابوري - الشريف الرضي محمد بن الحسين 246
67 محمد الكرزكاني - المقابي 281
68 محمد بن أبي جمهور الأحسائي 282
69 محمد البحراني - البرغاني 286
70 محمد تقي الفشندي - آل عصفور - الحجري - الهاشمي 287
71 محمد جواد دبوق - المقابي - البحراني - آل عصفور 297
72 محمد عباس الجزائري 298
73 محمد علي البرغاني 299
74 محمد صالح البرغاني 300
75 محمد قاسم الحسيني - البغلي 305
76 محمد علي الأصفهاني - محمد كاظم التنكابني - محمد محسن الكاشاني 308
77 محمد محسن العاملي - محمد مهدي البصير - محمد النمر 309
78 محمود بن الحسين كشاجم 312
79 مرتضى العلوي - مغامس الحجري - مصطفى جواد 322
80 معتوق الأحسائي 327
81 معد الموسوي - معقل بن قيس الرياحي 328
82 مهدي الحكيم 330
83 مهدي بحر العلوم 330
84 مهدي المازندراني - الحيدري 333
85 منصور كمونة 336
86 مهدي الكلكاوي - محمد طاهر الحيدري - محمد بن مسلم الزهري - خاتون - معمر البغدادي - محسن الجواهري 337
87 ناصر الجارودي - حسين - نصر النحوي - المدائني - القاضي النعمان 338
88 نعمة الله الجزائري - نعيم بن هبيرة 342
89 نوح آل عصفور - نور الدين القطيفي - هبة الله ابن الشجري 343
90 هشام الجواليقي - يحيى الفراء 344
91 يعقوب الكندي 349
92 يوسف بن قزغلي 355
93 ملحق المستدركات - صلاح الدين الأيوبي 356
94 الخراسانية والمتشيعة 361
95 العرب والمأمون ثم البويهيون 364
96 سعد صالح 367
97 صلاح الدين وخلفاؤه - إسماعيل الصفوي 368
98 ابن جبير في جبل عامل 370