أصحابه أقبيتهم وقلانسهم وطراداتهم وأعلامهم كلها الخضرة فلما قدم نزل الرصافة وقدم معه طاهر فأمره بنزول الخيزرانية مع أصحابه ثم تحول فنزل قصره على شط دجلة وأمر حميد بن عبد الحميد وعلي بن هشام وكل قائد كان في عسكره أن يقيم في عسكره فكانوا يختلفون إلى دار المأمون في كل يوم ولم يكن يدخل عليه أحد إلا في الثياب الخضر ولبس ذلك أهل بغداد وبنو هاشم أجمعون فكانوا يخرقون كل شئ يرونه من السواد على إنسان إلا القلنسوة فإنه كان يلبسها الواحد بعد الواحد على خوف ووجل في أما قباء أو علم فلم يكن أحد يجترئ ولبست الخضرة وكتب إليه في ذلك قواد أهل خراسان وقيل أنه أمر طاهر ابن الحسين أن يسأله حوائجه فكان أول حاجة سأله أن يطرح لباس الخضرة ويرجع إلى لبس السواد وزي دولة الآباء فلما رأى طاعة الناس له في لبس الخضرة وكراهتهم لها وجاء السبت قعد لهم وعليه ثياب خضر فلما اجتمعوا عنده دعا بسواد فلبسه ودعا بخلعة سواد فألبسها طاهرا ثم دعا بعدة من قواده فألبسهم أقبية وقلانس سود فلما خرجوا من عنده وعليهم السواد طرح سائر القواد والجند لبس الخضرة ولبسوا السواد وذلك يوم السبت لسبع بقين من صفر (وقد قيل) أن المأمون لبس الثياب الخضر بعد دخوله بغداد سبعة وعشرين ثم مزقت (وقيل) أنه لم يزل مقيما ببغداد في الرصافة حتى بنى منازل على شط دجلة عند قصره الأول وفى بستان موسى وذكر عن إبراهيم بن العباس الكاتب عن عمرو ابن مسعدة أن أحمد بن أبي خالد الأحول قال لما قدمنا من خراسان مع المأمون وصرنا في عقبة حلوان وكنت زميله قال لي يا أحمد إني أجد رائحة العراق فأجبت بغير جوابه وقلت ما أخلقه قال ليس هذا جوابي ولكني أحسبك سهوت أو كنت مفكرا قال قلت نعم يا أمير المؤمنين قال فيم فكرت قال قلت يا أمير المؤمنين فكرت في هجومنا على أهل بغداد وليس معنا إلا خمسون ألف درهم مع فتنة غلبت على قلوب الناس فاستعذبوها فكيف يكون حالنا إن هاج هائج أو تحرك متحرك قال فأطرق مليا ثم قال صدقت يا أحمد ما أحسن ما فكرت ولكني أخبرك الناس
(١٥٥)