فظهر لك حينئذ من ذلك كله أن الحكم بالاستحباب لا يخلو من قوة، وأن التحقيق في الجواب عن الاشكال عليه ما عرفت لا ما قيل من منع الحصر، لأن حاصل السؤال أن التياسر إما إلى القبلة فيكون واجبا لا مستحبا، وإما عنها فيكون حراما، والجواب منع الحصر، بل التياسر عنها إليها، وجاز اختصاص بعض جهات القبلة بمزيد الفضيلة على بعض، أو حصول الاستظهار بالتوسط بسبب الانحراف، خصوصا على ما سمعته من بعض معاصري الفاضل الهندي من أن قبلة الكوفة وبغداد الركن الشامي والعراقي، فيتياسر استظهارا، اللهم إلا أن يريد هذا المجيب ما ذكرناه، بل يمكن المناقشة عند التأمل فيما أجاب به المصنف أيضا، إذ كون القبلة الحرم لا يقتضي ذلك، خصوصا بناء على إرادة جهة الحرم لا عينه، ضرورة الخروج عن المحاذاة للبعيد بأدنى انحراف، كما هو مشاهد في استقبال الأجرام البعيد، أما لو أريد المحاذاة الحقيقية للحرم كما هو ظاهر أو صريح بعض القائلين بذلك على ما عرفت سابقا أمكن الاشكال بأنه لا يعلم اتصال الخطوط إلا بالتياسر دون غيره، مع أن مقتضاه حرمة الغير ووجوب التياسر لا استحبابه المقتضي لجواز غيره حتى التيامن القليل، فلا بد في الجواب من ملاحظة تقريبية العلامات المزبورة، وأن التياسر عنها لعله أدخل في حصول المحاذاة كما ذكرناه سابقا، وهو لا يخص القول بالمزبور، بل يتجه على المختار أيضا، ومن هنا أفتى به العلامة وغيره ممن مذهبه استقبال الكعبة لا الحرم، فتأمل جيدا.
ثم إن صريح أكثر الفتاوى اختصاص ذلك بالعراقي كظاهر خبر المفضل (1) وهو كوفي، بل غالب الرواة عنهم (عليهم السلام) عراقيون، لكن في الذكرى التعبير بأهل المشرق، ولعله يريد العراقيين منهم، خصوصا مع قوله بعد ذلك: (فرع: إذا قلنا بهذا التياسر فليس بمقدر، بل مرجعه إلى اجتهاد المصلي، ومن ثم جعلنا المسألة من