المكلف نحو المأمور به، ولا يخفى ان حدوث الداعي يتوقف على بعض المقدمات، كتصور العمل بما يترتب عليه من مثوبة وعلى مخالفته من عقوبة، وهذا مما لا يمكن أن يتحقق إلا بعد البعث بزمان ولو قليلا جدا، فالبعث يتعلق بالأمر المتأخر عنه دائما، وإذا لم يستحل ذلك مع قصر الزمان فلا يستحيل أيضا مع طوله، وذلك لان ملاك الاستحالة والامكان لا يختلف فيه الحال بين قصر المدة وطولها بعد انطباق الموضوع عليها، وهو انفكاك المراد عن الإرادة التشريعية، فإذا فرض ان الانفكاك قهري ولا يرى العقل مانعا فيه فطول الزمان وقصره لا يوجب اختلاف الحال فيه فتدبر (1).
وقد نوقش في الوجه الأول: بان ما ذكر شاهدا لتعلق الإرادة بما هو متأخر لا يصلح للاستشهاد به. وذلك لان الشوق إلى المقدمة بما أنها مقدمة وإن لم يحصل إلا بتبع الشوق المتعلق بذيها، إلا أن الشوق المتعلق بذيها لم يبلغ حد الإرادة لعدم وصوله حد التحريك والباعثية لتوقف حصوله على المقدمات، بخلاف الشوق إلى المقدمة فإنه لا مانع من وصوله إلى حد التحريك والباعثية ولذا يكون إرادة، فإرادة المقدمة غير تابعة لإرادة ذي المقدمة، كيف؟ وإرادة ذي المقدمة غير متحققة، بل الشوق إلى المقدمة تابع للشوق إلى ذي المقدمة، وهو كاف في التحريك لعدم المانع. فالتبعية في أصل تعلق الشوق لا في حده ووصوله إلى مرحلة الباعثية (2).
كما أنه نوقش الوجه الثاني: بان (3) المراد من تعريف الإرادة بالشوق المؤكد المحرك للعضلات ليس ما استظهره صاحب الكفاية، من انه بيان لمرتبة الشوق وإن لم يكن محركا بالفعل، بل المراد هو الشوق المحرك فعلا وغيره لا يسمى