تعالى.
الامر الثالث: ظاهر الأدلة المتقدمة كون موضوع الاستصحاب هو اليقين والشك الفعليين المتفرعين على الالتفات للواقعة، لا التقديريين الراجعين إلى كون المكلف بحيث لو التفت لتيقن أو شك، كما هو الحال في سائر العناوين المأخوذة في موضوعات الاحكام الواقعية والظاهرية، التي يكون مفاد كبرياتها قضايا حقيقية تقتضي فعلية الحكم في فرض فعلية الموضوع.
بل لا ضابط لوجود الموضوع تقديرا، حيث يمكن ترتبه على أمور كثيرة لا تحقق لها، فلو فرض الحمل عليه في المقام لم يكن وجه لتخصيص محل الكلام باليقين والشك الحاصلين على تقدير الالتفات، بل ينبغي تعميمه لفرض وجودهما على تقدير إخبار زيد أو نزول المطر أو غيرهما مما يمكن ترتبهما عليه ولا تحقق له، والا يظن من أحد البناء على ذلك.
ومن ثم اخذ في بعض النصوص المتقدمة فعلية اليقين والشك في صغرى الاستصحاب، لقوله عليه السلام في الصحيحة الأولى: " وإلا فإنه على يقين من وضوئه "، وقوله عليه السلام في الثانية: " لأنك كنت على يقين من طهارتك فشككت... "، وقوله عليه السلام في رواية الخصال: " من كان على يقين فشك... " وقوله عليه السلام في رواية الارشاد: " من كان على يقين فأصابه شك ".
هذا، وقد تعرض غير واحد لتوجيه عدم جريان الاستصحاب مع عدم فعليته اليقين والشك - مضافا إلى بعض ما تقدم - بأن الاستصحاب لما كان حكما طريقيا راجعا إلى بيان الوظيفة العملية، المستتبعة للجري العملي، والتعذير والتنجيز توقفت فعليته على الالتفات لموضوعه، لاستحالة ترتب شئ من ذلك مع الغفلة، وكذا الحال في سائر الأصول والطرق الظاهرية، بخلاف الاحكام الواقعية، فإن فعليتها تابعة لفعلية موضوعاتها ولو مع الغفلة عنها.