الرابع: ما ذكره بعض مشايخنا من أن الاستصحاب كاشف عن الواقع مثبت له في ظرف الشك فيه، لان مفاد دليله جعل الطريقية وتتميم جهة الكاشفية، لظهور قوله عليه السلام: (ولا ينقض اليقين أبدا بالشك) وقوله عليه السلام: (ولا يعتد بالشك في حال من الحالات) في إلغاء احتمال الخلاف، كما هو الحال في الامارات، فهو أمارة حيث لا أمارة، فيقدم على بقية الأصول بملاك رفعه لموضوعها، الذي هو الملاك في تقدم الامارات عليها.
وفيه: أنه تقدم في ذيل الكلام في أخبار الاستصحاب عدم كون الاستصحاب من الامارات. كما أن عدم الاعتداد بالشك وعدم نقضه لليقين لا يرجع إلى إلغائه، بل إلى عدم صلوحه للمنع من مقتضى اليقين السابق.
وفرض كونه أمارة حيث لا أمارة مما لا نظير له عرفا، بل المألوف عرفا تقديم بعض الامارات على بعض، وإن تمت جهة كشفها، كتقديم البينة على اليد. فلاحظ.
المبنى الثالث: أن مقتضى الجمع العرفي بين دليل الاستصحاب وأدلة الأصول المذكورة هو تقديم الاستصحاب، وإن لم يكن رافعا لموضوعها ولا ناظرا إليها، لخصوصية في نفس الدليلين ولو بلحاظ مدلوليهما تقتضي عرفا تحكيم أحدهما على الاخر، وإن كان بينهما عموم من وجه، وذلك لان أدلة الأصول وإن اقتضت بإطلاقها فعلية العمل بمقتضاها ولو مع سبق اليقين على خلافه، إلا أن المناسبات الارتكازية في مقام الجمع بينها وبين دليل الاستصحاب يقتضي حملها على السعة والاحتياط من حيثية موضوعها - وهو الشك - فلا ينافي عدم فعلية مقتضاها لأمر زائد على موضوعها مانع من تأثيره وهو اليقين السابق.
فالحكم في الأصول ناشئ من عدم الاكتفاء بالشك في التعذير أو التنجيز، وأن ثبوت مقتضاها لعدم المقتضي لخلافه، أما الحكم في الاستصحاب فهو