استصحاب الأمور القارة التي يراد منها الأعم مما ليس له أجزاء خارجية - كالعدالة - ومن القسم الأول لذي الاجزاء.
إذا عرفت هذا، فقد يستشكل في جريان الاستصحاب في الأمور التدريجية بعدم اجتماع ركنيه فيها، لان ما علم وجوده سابقا من أجزائها معلوم الارتفاع، وغيره مشكوك الحدوث، فالأصل عدمه، وليس هناك أمر واحد معلوم الحدوث مشكوك البقاء.
وقد دفع غير واحد الاشكال المذكور بما يرجع إلى أن بقاء كل شئ بحسبه، وبقاء الأمور التدريجية إنما هو بتعاقب أجزائها، وهو لا يخل بوحدتها، ولا بصدق اليقين والشك فيها.
فإذا فرض أن موضوع الأثر هو النسبة الواحدة القائمة بالمجموع بهذا النحو، لا النسب المتعددة القائمة بالاجزاء المتكثرة، تعين جريان الاستصحاب، لتمامية ركنيه فيها. وليس ذلك مبنيا على التسامح العرفي في البقاء - كما يظهر من بعض كلماتهم - بل هو مبني على البقاء الحقيقي لما يفرض كونه موضوع الأثر بعد النظر في الأدلة، ولا بتوسط ما يفهمه العرف منها، وقد تقدم في محله أن ذلك هو المعيار في جريان الاستصحاب.
ومنه يظهر عدم الفرق بين ما تكون وحدته باتصال أجزائه حقيقة وعدم تخلل العدم بينها أصلا، كجريان الماء من الميزاب، وما تكون وحدته بتعاقب أجزائه مع تخلل العدم بينها، كتقاطر الماء، والكلام، ونحوهما مما لا اتصال حقيقة بين أجزائه، لان المعيار احتمال بقاء موضوع الأثر على ما هو عليه، وهو حاصل في الفرض.
نعم، لو لم يكن البقاء حقيقيا، بل كان تسامحيا بنظر العرف لم يجر الاستصحاب، كما لو فرض العلم بالعدم في أمد قليل في ما تكون وحدته باتصال أجزائه، أو في أمد أكثر مما يغتفر في وحدة ما تكون وحدته بتعاقب أجزائه. والظاهر خروجه عن محل كلامهم.