تقديم اليقين السابق على كل شك يفرض لا على شك واحد، ولا يترتب استصحاب آخر عليه بلحاظ جريانه في الزمان الأول، لا لعدم الموضوع له، بل لغفلة العرف عن تطبيق عموم الاستصحاب عليه مع تطبيقه الأول، ولو التفت إلى ذلك فهو يرى أن تطبيق دليل الاستصحاب في الشك المتجدد مرة أخرى لاغ وإن لم يكن لاغيا عقلا، لامكان إحراز المشكوك بأكثر من تعبد واحد لا ترتب بينها، وذلك يوجب انصراف عموم الاستصحاب عن مثل هذا التطبيق، فلا يكون حجة فيه.
وبالجملة: لا يرى العرف بعد اطلاعه على عموم الاستصحاب في مقام علاج الشك المتجدد إلا تعبدا واحدا موضوعه اليقين الأول، ويغفل عن التعبد الاخر المبتني على إعمال العموم في الشك الأول، وذلك كاشف عن انصراف العموم وعدم صلوحه لبيان مثل هذه الافراد حسب المتفاهم العرفي.
وإن كان المحرز أصلا آخر غير الاستصحاب - كأصالة الطهارة - فالظاهر أنه لا مانع من تطبيق عموم الاستصحاب في الشك المتجدد، لعموم دليله وعدم غفلة العرف عنه، بل يكون من حيثية الشك المتجدد مقدما على قاعدة الطهارة، كما يقدم عليها في سائر الموارد، وإن كانت تنفرد بالجريان من حيثية الشك الأول، حتى في الزمان الثاني، لعدم الموضوع للاستصحاب بالإضافة إليها، كما تقدم.
مثلا: إذا شك في الثوب أنه من شعر الكلب أو الماعز، فجرت أصالة الطهارة، ثم احتمل ملاقاته للنجاسة بعد خياطته، فالشك في طهارته بعد خياطته من حيثية احتمال كونه من شعر الكلب مجرى لقاعدة الطهارة، ومن حيثية احتمال ملاقاته للنجاسة مجرى للاستصحاب المقدم على القاعدة، فيجتمع الاستصحاب مع القاعدة بلحاظ اختلاف الحيثية لاطلاق دليلهما، وإن كان مقدما عليها في الحيثية الواحدة، ولذا يقدم عليها في الحيثية الثانية، نظير اجتماع قاعدة