عن وضع الكتاب وطلابه، ويكفي لفسادها - بعد فساد التوهمات الباعثة عليها، وقيام البراهين القطعية على امتناعها، ولزوم إمكان الواجب جل اسمه، وكونه في معرض الحوادث والتغييرات، وغير ذلك من التوالي الفاسدة شهادة الوجدان السليم والطبع المستقيم، على أن الناس والحيوانات مختارون في جميع شؤونهم وأفعالهم وأقوالهم، وأن الكل مشتركون في القيام بالإيجاد بعد الترجيح والاصطفاء وأن حركة يد الكاتب الخبير غير حركة يد المرتعش القصير، ولا حاجة في مقابل هذا الوجدان إلى إقامة البرهان.
وربما يقال: بأن البراهين لا تفيد أكثر من ذلك، وما كان مخالفا ففيه جهة القصور والنقصان (1).
ولكن في نفسي شئ، لاحتمال دعوى أن الجبار على الإطلاق، كما هو الفاعل على الإطلاق، ومباشر جميع الأفعال والأعمال، قادر على إيجاد هذا الوهم، وهو مختارية العباد، فمجرد الوجدان بلا ضم البرهان غير سديد، إلا لبعض النفوس الصافية الخالية عن الشوائب والأوهام.
ثم إنه لا معنى للأشعري من الالتزام بالتكليف، لأنه لو فرضنا وجود الطلب وراء الإرادة المسمى ب " الكلام النفسي " فلا يمكن لنا الالتزام بالتكليف مع فقد القدرة المعتبرة.
ولو التزم بعدم اعتبارها، فلا وجه لعدم التزامه بصحة العقوبة في مورد دون مورد، بل هو من المنكرين للحسن والقبح، ويقول بصحة عقوبة كل أحد بلا وجه، لأنه تصرف في سلطانه، وصحة إنعام كل أحد، لأنه مختار في مملكته (2). فهذا النحو من الاستدلال، غريب عما وصل منهم من المباني الفاسدة، والعقائد الكاسدة.