وثانيا: ليس حكم العقل بالاشتغال من الأحكام الضرورية، وقد اختلف المحققون في ذلك، فيتم الإطلاق في الكلام والمقام، فلا تصل النوبة إلى الأصول العملية، فما أفاده العلامة الأراكي (رحمه الله) في المسألة (1)، غير سديد جدا.
ثم إنه (قدس سره) قال بالتفصيل بين الإطلاق اللفظي والمقامي، بما لا يرجع إلى محصل.
وإجماله: هو أن قيد الدعوة وإن كان من القيود غير المغفول عنها، ولكن حكم العقل بالاشتغال، لا يمنع من انعقاد الإطلاق الكلامي، وذلك لأن ذلك يستلزم الدور، ضرورة أن الإطلاق إذا كان منوطا بالاشتغال، كيف يكون هو هادما له ومنفيا إياه؟! فلا يكون الإطلاق الكلامي منوطا بالاشتغال، بل هو وارد عليه، وهو حكم تعليقي.
والسر في ذلك: أن المتكلم في الإطلاق الكلامي، ليس في مقام إفادة مرامه بكل ما أمكن ولو كان هو الاشتغال عند الشك، بل هو في مقام إفادة مرامه بالألفاظ الموضوعة، وإلا يلزم امتناع انعقاد الإطلاق مطلقا، فعليه ينعقد الإطلاق الكلامي، إذا كان يمكن بيان مرامه بالألفاظ، ولم يبين.
نعم، إذا صدر الدليل المقيد، فهو مقدم على الإطلاق لجهات محررة في محله، وهذا ليس في الإطلاق المقامي، فإنه ناظر إلى عدم الإخلال بغرضه ولو كان متكئا على قاعدة الاشتغال عند الشك، فعليه لا يمكن الإخلال بغرضه عند ترك بيانه (2)، انتهى.
وأنت خبير بما فيه أولا: من لزوم الدور في الإطلاق المقامي، لأنه من الأمارات والحجج الاجتهادية، فلا تغفل.