وأول من شمر عن ساعد الجد في هذا الحقل هو شيخ الطائفة ورئيسها على الاطلاق محمد بن الحسن الطوسي - قدس سره الشريف - المتوفى سنة 460 ه، فأسس قواعد هذا البنيان الرفيع، ورصف أصوله ورتبها وأحسن تنظيمها على ترتيب منهجي بديع.
وجاء الفقهاء من بعده فجروا على منواله الحكيم مستخرجين الفروع من الأصول على نفس النظام، وتبويب المسائل وفق ما حرره الشيخ في مختلف كتبه.
نعم جاء المتأخرون ليزيدوا تحقيقا وتدقيقا في أساليب الاستنباط ومناهج الاجتهاد ورد الفروع إلى الأصول، ولا سيما بعد أن تحرر " علم الأصول " من أسلوبه التقليدي القديم، إلى أسلوبه التحقيقي الحديث. وإذا بالفقه قد تفتحت له أبواب جديدة كانت مغلقة قبلئذ، وبدت من ثنايا آيات الكتاب المجيد وكلمات العترة الطاهرة دقائق ورقائق - هي حقائق - لم تكن معروفة لحد ذاك. كل ذلك بجهود بذلها فقهاء أفذاذ وعلماء جهابذة كرسوا جهودهم - ولا يزالون - في التحقيق والتدقيق في خبايا آثار آل الرسول صلى الله عليه وآله.
وقد حصل هذا التحول الأساسي - في نوعية الاستنباط - منذ عهد نجم الدين (المحقق الحلي) (المتوفى سنة 676 ه) قدس سره فحقق من مباني الفقه وأحكم قواعده الراسية في كتابه المعتبر وغيره، ومن ثم لقب بالمحقق جديرا بهذا النعت المعبر عن واقعية لامعة.
ثم على يد جمال الدين العلامة الحلي (المتوفى سنة 726 ه) وولده فخر المحققين (المتوفى سنة 771 ه) فقد كرس الوالد جهده في البحث والتنقيب والجمع والمقارنة والتحقيق وسار الولد على منهاج والده في امتداد التدقيق والتخريج.
وبعدهما جاء الشهيد السعيد محمد بن مكي العاملي (المتوفى سنة 786 ه) حيث ركز أسس الفقه ومباني الاستدلال على قواعد رصينة ومدارك متينة.
ثم جاء دور نور الدين الكركي (المحقق الثاني) (المتوفى سنة 940 ه) فأبدع وأتى بآراء ونظريات مستجدة لم يسبق لها نظير.