آخر أنبياء بني إسرائيل زكريا بن أزر بن مسلم من ذرية يعقوب دعا ربه سرا (قال رب إني وهن العظم منى) إلى قوله (خفت الموالي) قال: وهم العصبة (يرثني) يرث نبوتي ونبوة آل يعقوب، فنادته الملائكة، وهو جبريل:
إن الله يبشرك (بغلام اسمه يحيى) فلما سمع النداء جاءه الشيطان فقال: يا زكريا إن الصوت الذي سمعت ليس من الله إنما هو من الشيطان سخر بك، فشك وقال (أنى يكون لي غلام) يقول من أين يكون وقد بلغني الكبر وامرأتي عاقر، قال الله (وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا). وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (وإني خفت الموالي من ورائي) قال: الورثة: وهم عصبة الرجل. وأخرج الفريابي عنه قال: كان زكريا لا يولد له فسأل ربه فقال (رب هب لي من لدنك وليا يرثني ويرث من آل يعقوب) قال: يرث مالي ويرث من آل يعقوب النبوة. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله (لم نجعل له من قبل سميا) قال: مثلا. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وأبو داود وابن جرير والحاكم وصححه وابن مردويه عنه قال: لا أدري كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ هذا الحرف عتيا أو عسيا. وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء في قوله (عتيا) قال: لبث زمانا في الكبر. وأخرج أيضا عن السدى قال: هرما. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا) قال: اعتقل لسانه من غير مرض، وفى لفظ من غير خرس، أخرجه ابن المنذر وابن أبي حاتم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا (فأوحى إليهم) قال: كتب لهم كتابا. وأخرج ابن أبي الدنيا والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله (أن سبحوا) قال: أمرهم بالصلاة (بكرة وعشيا).
سورة مريم الآية (12 - 15) قوله (يا يحيى) هاهنا حذف، وتقديره: وقال الله للمولود يا يحيى. أو فولد له مولود فبلغ المبلغ الذي يجوز أن يخاطب فيه، فقلنا له يا يحيى. وقال الزجاج: المعنى فوهبنا له وقلنا له يا يحيى. والمراد بالكتاب التوراة لأنه المعهود حينئذ، ويحتمل أن يكون كتابا مختصا به وإن كنا لا نعرفه الآن، والمراد بالأخذ إما الأخذ الحسي أو الأخذ من حيث المعنى، وهو القيام بما فيه كما ينبغي، وذلك بتحصيل ملكة تقتضي سهولة الإقدام على المأمور به، والإحجام عن المنهي عنه، ثم أكده بقوله (بقوة) أي بجد وعزيمة واجتهاد (وآتيناه الحكم صبيا) المراد بالحكم الحكمة، وهى الفهم للكتاب الذي أمر بأخذه وفهم الأحكام الدينية، وقيل هي العلم وحفظه والعمل به، وقيل النبوة، وقيل العقل، ولا مانع من أن يكون الحكم صالحا لحمله على جميع ما ذكر. قيل كان يحيى عند هذا الخطاب له ابن سنتين، وقيل ابن ثلاث (وحنانا من لدنا) معطوف على الحكم. قال جمهور المفسرين: الحنان الرحمة والشفقة والعطف والمحبة، وأصله توقان النفس، مأخوذ من حنين الناقة على ولدها. قال أبو عبيدة: تقول حنانك يا رب وحنانيك يا رب بمعنى واحد، يريد رحمتك. قال طرفة:
أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا * حنانيك بعض الشر أهون من بعض