الأنعام لما فيها من النفع لهذا النوع، فالامتنان بها أكمل من الامتنان بغيرها، فقال (والأنعام خلقها لكم) وهى الإبل والبقر والغنم، وأكثر ما يقال نعم وأنعام للإبل، ويقال للمجموع، ولا يقال للغنم مفردة، ومنه قول حسان:
وكانت لا يزال بها أنيس * خلال مروجها نعم وشاء فعطف الشاء على النعم، وهى هنا الإبل خاصة. قال الجوهري: والنعم واحد الأنعام، وأكثر ما يقع هذا الاسم على الإبل. ثم لما أخبر سبحانه بأنه خلقها لبنى آدم بين المنفعة التي فيها لهم فقال (فيها دفء) الدفء:
السخانة، وهو ما استدفئ به من أصوافها وأوبارها وأشعارها، والجملة في محل النصب على الحال (ومنافع) معطوف على دفء، وهى درها وركوبها ونتاجها والحراثة بها ونحو ذلك. وقد قيل إن الدفء: النتاج واللبن.
قال في الصحاح: الدفء نتاج الإبل وألبانها وما ينتفع به منها، ثم قال: والدفء أيضا السخونة، وعلى هذا فإن أريد بالدفء المعنى الأول فلا بد من حمل المنافع على ما عداه مما ينتفع به منها، وإن حمل على المعنى الثاني كان تفسير المنافع بما ذكرناه واضحا، وقيل المراد بالمنافع النتاج خاصة، وقيل الركوب (ومنها تأكلون) أي من لحومها وشحومها، وخص هذه المنفعة بالذكر مع دخولها تحت المنافع لأنها أعظمها، وقيل خصها لأن الانتفاع بلحمها وشحمها تعدم عنده عينها بخلاف غيره من المنافع التي فيها، وتقديم الظرف المؤذن بالاختصاص للإشارة إلى أن الأكل منها هو الأصل، وغيره نادر (ولكم فيها جمال) أي لكم فيها مع ما تقدم ذكره جمال، والجمال:
ما يتجمل به ويتزين، والجمال: الحسن، والمعنى هنا: لكم فيها تجمل وتزين عند الناظرين إليها (حين تريحون وحين تسرحون) أي في هذين الوقتين، وهما وقت ردها من مراعيها، ووقت تسريحها إليها، فالرواح رجوعها بالعشي من المراعى، والسراح: مسيرها إلى مراعيها بالغداة، يقال سرحت الإبل أسرحها سرحا وسروحا: إذا غدوت بها إلى المرعى، وقدم الإراحة على التسريح لأن منظرها عند الإراحة أجمل، وذواتها أحسن لكونها في تلك الحالة قد نالت حاجتها من الأكل والشرب، فعظمت بطونها وانتفخت ضروعها، وخص هذين الوقتين لأنهما وقت نظر الناظرين إليها لأنها عند استقرارها في الحظائر لا يراها أحد، وعند كونها في مراعيها هي متفرقة غير مجتمعة كل واحد منها يرعى في جانب (وتحمل أثقالكم) الأثقال جمع ثقل، وهو متاع المسافر من طعام وغيره وسمى ثقلا لأنه يثقل الإنسان حمله، وقيل المراد أبدانهم (إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس) أي لم تكونوا واصلين إليه لو لم يكن معكم إبل تحمل أثقالكم إلا بشق الأنفس لبعده عنكم، وعدم وجود ما يحمل ما لا بد لكم منه في السفر. وظاهره يتناول كل بلد بعيدة من غير تعيين، وقيل المراد بالبلد مكة. وقيل اليمن ومصر والشام لأنها متاجر العرب، وشق الأنفس: مشقتها. قرأ الجمهور بكسر الشين، وقرأ أبو جعفر بفتحها. قال الجوهري:
والشق المشقة، ومنه قوله (لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس) وحكى أبو عبيدة بفتح الشين، وهما بمعنى، ويجوز أن يكون المفتوح مصدرا من شققت عليه أشق شقا، والمكسور بمعنى النصف، يقال أخذت شق الشاة وشقة الشاة، ويكون المعنى على هذا في الآية: لم تكونوا بالغيه إلا بذهاب نصف الأنفس من التعب، وقد أمتن الله سبحانه على عباده بخلق الأنعام على العموم، ثم خص الإبل بالذكر لما فيها من نعمة حمل الأثقال دون البقر والغنم، والاستثناء من أعم العام: أي لم تكونوا بالغيه بشئ من الأشياء إلا بشق الأنفس (والخيل والبغال والحمير) بالنصب عطفا على الأنعام: أي وخلق لكم هذه الثلاثة الأصناف، وقرأ ابن أبي عبلة بالرفع فيها كلها، وسميت الخيل خيلا لاختيالها في مشيها، وواحد الخيل خائل كضائن واحد الضأن، وقيل لا واحد له. ثم علل سبحانه خلق هذه الثلاثة الأنواع بقوله (لتركبوها) وهذه العلة هي باعتبار معظم منافعها لأن الانتفاع بها في غير