سورة النحل الآية (80 - 83) قوله (والله جعل لكم) معطوف على ما قبله وهذا المذكور من جملة أحوال الإنسان، ومن تعديد نعم الله عليه، والسكن مصدر يوصف به الواحد والجمع، وهو بمعنى مسكون: أي تسكنون فيها وتهدأ جوارحكم من الحركة، وهذه نعمة، فإن الله سبحانه لو شاء لخلق العبد مضطربا دائما كالأفلاك، ولو شاء لخلقه ساكنا أبدا كالأرض (وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا) لما ذكر سبحانه بيوت المدن، وهى التي للإقامة الطويلة عقبها بذكر بيوت البادية والرحلة: أي جعل لكم من جلود الأنعام، وهى الأنطاع والأدم بيوتا كالخيام والقباب (تستخفونها) أي يخف عليكم حملها في الأسفار وغيرها، ولهذا قال (يوم ظعنكم) والظعن بفتح العين وسكونها، وقرئ بهما: سير أهل البادية للانتجاع والتحول من موضع إلى موضع. ومنه قول عنترة:
ظعن الذين فراقهم أتوقع * وجرى ببيتهم الغراب الأبقع والظعن الهودج أيضا (ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا) معطوف على " جعل " أي وجعل لكم من أصواف الأنعام وأوبارها وأشعارها، والأنعام تعم الإبل والبقر والغنم كما تقدم. والأصواف للغنم، والأوبار للإبل، والأشعار للمعز، وهى من جملة الغنم، فيكون ذكر هذه الثلاثة على وجه التنويع كل واحد منها لواحد من الثلاثة، أعني الإبل، ونوعي الغنم، والأثاث متاع البيت. وأصله الكثرة والاجتماع، ومنه شعر أثيث: أي كثير مجتمع، قال الشاعر:
وفرع يزين المتن أسود فاحم * أثيث كقنو النخلة المتعثكل قال الخليل أثاثا: أي منضما بعضه إلى بعض، من أث إذا أكثر، قال الفراء: لا واحد له، والمتاع: ما يتمتع به بأنواع التمتع، وعلى قول أبى زيد الأنصاري: إن الأثاث المال أجمع: الإبل والغنم والعبيد والمتاع، يكون عطف المتاع على الأثاث من عطف الخاص على العام، وقيل إن الأثاث ما يكتسي به الإنسان ويستعمله من الغطاء والوطاء، والمتاع ما يفرش في المنازل ويتزين به، ومعنى (إلى حين) إلى أن تقضوا أوطاركم منه، أو إلى أن يبلى ويفنى، أو إلى الموت، أو إلى القيامة، ثم لما كان الإنسان قد لا يكون له خيام، أو أبنية يستظل بها لفقر، أو لعارض آخر فيحتاج إلى أن يستظل بشجر أو جدار أو غمام أو نحو ذلك نبه سبحانه على ذلك فقال (وجعل لكم مما خلق ظلالا) أي أشياء تستظلون بها كالأشياء المذكورة. والحاصل أن الظلال تعم الأشياء التي تظل، ثم لما كان