تفسير سورة المؤمنون هي مكية بلا خلاف. قال القرطبي كلها مكية في قول الجميع، وآياتها مائة وتسع عشرة آية وقد أخرج أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم عن عبد الله بن السائب قال: صلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة الصبح فاستفتح سورة المؤمنين، حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون، أو ذكر عيسى أخذته سعلة فركع. وأخرج البيهقي من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " لما خلق الله الجنة قال لها تكلمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون ". وأخرجه أيضا ابن عدي والحاكم. وأخرج الطبراني في السنة وابن مردويه من حديث ابن عباس مثله. وقد ورد في فضائل العشر الآيات من أول هذه السورة ما سيأتي قريبا.
بسم الله الرحمن الرحيم سورة المؤمنون الآية (1 - 11) قوله (قد أفلح المؤمنون) قال الفراء: قد هاهنا يجوز أن تكون تأكيدا لفلاح المؤمنين، ويجوز أن تكون تقريبا للماضي من الحال. لأن قد تقرب الماضي من الحال حتى تلحقه بحكمه، ألا تراهم يقولون: قد قامت الصلاة قبل حال قيامها، ويكون المعنى في الآية أن الفلاح قد حصل لهم، وأنهم عليه في الحال، والفلاح الظفر بالمراد والنجاة من المكروه، وقيل البقاء في الخير، وأفلح إذا دخل في الفلاح، ويقال أفلحه: رسول إذا أصاره إلى الفلاح، وقد تقدم بيان معنى الفلاح في أول البقرة. وقرأ طلحة بن مصرف " قد أفلح " بضم الهمزة وبناء الفعل للمفعول. وروى عنه أنه قرأ " أفلحوا المؤمنون " على الإبهام والتفسير، أو على لغة أكلوني البراغيث. ثم وصف هؤلاء المؤمنين بقوله (الذين هم في صلاتهم خاشعون) وما عطف عليه، والخشوع منهم من جعله من أفعال القلوب كالخوف والرهبة، ومنهم من جعله من أفعال الجوارح كالسكون وترك الالتفات والعبث، وهو في اللغة السكون والتواضع والخوف والتذلل.
وقد اختلف الناس في الخشوع هل هو من فرائض الصلاة أو من فضائلها؟ على قولين: قيل الصحيح الأول، وقيل الثاني. وادعى عبد الواحد بن زيد إجماع العلماء على أنه ليس للعبد إلا ما عقل من صلاته، حكاه النيسابوري