كالسرابيل، وخص القطران لسرعة اشتعال النار فيه مع نتن رائحته. وقال جماعة هو النحاس: أي قمصانهم من نحاس. وقرأ عيسى بن عمر " من قطران " بفتح القاف وتسكين الطاء. وقرئ بكسر القاف وسكون الطاء، وقرئ بفتح القاف والطاء، رويت هذه القراءة عن ابن عباس وأبي هريرة وعكرمة وسعيد بن جبير ويعقوب، وهذه الجملة في محل نصب على الحال (وتغشى وجوههم النار) أي تعلو وجوههم وتضربها، وخص الوجوه لأنها أشرف ما في البدن، وفيها الحواس المدركة، والجملة في محل نصب على الحال أيضا، و (ليجزى الله) متعلق بمحذوف: أي بفعل ذلك بهم ليجزى (كل نفس ما كسبت) من المعاصي: أي جزاء موافقا لما كسبت من خير أو شر (إن الله سريع الحساب) لا يشغله عنه شئ. وقد تقدم تفسيره (هذا بلاغ) أي هذا الذي أنزل إليك بلاغ: أي تبليغ وكفاية في الموعظة والتذكير. قيل إن الإشارة إلى ما ذكره سبحانه هنا من قوله - ولا تحسبن الله غافلا - إلى سريع الحساب - أي هذا فيه كفاية من غير ما انطوت عليه السورة، وقيل الإشارة إلى جميع السورة، وقيل إلى القرآن، ومعنى (للناس) للكفار، أو لجميع الناس على ما قيل في قوله - وأنذر الناس -، (ولينذروا به) معطوف على محذوف: أي لينصحوا ولينذروا به، والمعنى: وليخوفوا به، وقرئ " ولينذروا " بفتح الياء التحتية والذال المعجمة، يقال نذرت بالشئ أنذر: إذا علمت به فاستعددت له (وليعلموا أنما هو إله واحد) أي ليعلموا بالأدلة التكوينية المذكورة سابقا وحدانية الله سبحانه، وأنه لا شريك له (وليذكر أولوا الألباب) أي وليتعظ أصحاب العقول، وهذه اللامات متعلقة بمحذوف، والتقدير: وكذلك أنزلنا، أو متعلقة بالبلاغ المذكور:
أي كفاية لهم في أن ينصحوا وينذروا ويعلموا بما أقام الله من الحجج والبراهين وحدانيته سبحانه وأنه لا شريك له، وليتعظ بذلك أصحاب العقول التي تعقل وتدرك.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله (إن الله عزيز ذو انتقام) قال: عزيز والله في أمره، يملى وكيده متين، ثم إذا انتقم انتقم بقدرة. وأخرج مسلم وغيره من حديث ثوبان قال " جاء رجل من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: في الظلمة دون الجسر ". وأخرج مسلم أيضا وغيره من حديث عائشة. قالت " أنا أول من سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه الآية (يوم تبدل الأرض غير الأرض) قلت: أين الناس يومئذ؟ قال: على الصراط ". وأخرج البزار وابن المنذر والطبراني في الأوسط وابن مردويه والبيهقي في البعث وابن عساكر عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " في قول الله (يوم تبدل الأرض غير الأرض) قال: أرض بيضاء، كأنها فضة لم يسفك فيها دم حرام، ولم يعمل بها خطيئة ". وأخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عنه موقوفا نحوه، قال البيهقي: الموقوف أصح. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن زيد ابن ثابت قال " أتى اليهود النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: جاءوني يسألونني وسأخبرهم قبل أن يسألوني (يوم تبدل الأرض غير الأرض) قال: أرض بيضاء كالفضة، فسألهم فقالوا: أرض بيضاء كالنقي ". وأخرج ابن مردويه مرفوعا عن علي نحو ما تقدم عن ابن مسعود. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن أنس موقوفا نحوه، وقد روى نحو ذلك عن جماعة من الصحابة، وثبت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة نقى ". وفيهما أيضا من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها