وحده (عسى أن لا أكون بدعاء ربى شقيا) أي خائبا، وقيل عاصيا. قيل أراد بهذا الدعاء: هو أن يهب الله له ولدا وأهلا يستأنس بهم في اعتزاله ويطمأن عمر إليهم عند وحشته، وقيل أراد دعاءه لأبيه بالهداية، وعسى للشك لأنه كان لا يدري هل يستجاب له فيه أم لا، والأول أولى لقوله (فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب) أي جعلنا هؤلاء الموهوبين النبي له أهلا وولدا بدل الأهل الذين فارقهم (وكلا جعلنا نبيئا) أي كل واحد منهما، وانتصاب كلا على أنه المفعول الأول لجعلنا قدم عليه للتخصيص، لكن بالنسبة إليهم أنفسهم لا بالنسبة إلى من عداهم: أي كل واحد منهم جعلنا نبيا، لا بعضهم دون بعض (ووهبنا لهم من رحمتنا) بأن جعلناهم أنبياء، وذكر هذا بعد التصريح بجعلهم أنبياء لبيان أن النبوة هي من باب (الرحمة. والمراد بالرحمة هنا المال، وقيل الأولاد، وقيل الكتاب، ولا يبعد أن يندرج تحتها جميع هذه الأمور (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) لسان الصدق الثناء الحسن، عبر عنه باللسان لكونه يوجد به كما عبر باليد عن العطية، وإضافته إلى الصدق ووصفه بالعلو للدلالة على أنهم أحقاء بما يقال فيهم من الثناء على ألسن العباد.
وقد أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (لأرجمنك) قال: لأشتمنك (واهجرني مليا) قال: حينا. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه (واهجرني مليا) قال: اجتنبني سويا. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية قال: اجتنبني سالما قبل أن تصيبك مني عقوبة. وأخرج عبد بن حميد عن سعيد بن جبير وعكرمة (مليا) دهرا. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة قال: سالما. وأخرج عبد بن حميد عن الحسن مثله. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (إنه كان بي حفيا) قال: لطيفا.
وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله (ووهبنا له إسحاق ويعقوب) قال: يقول وهبنا له إسحاق ويعقوب ابن ابنه وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا في قوله (وجعلنا لهم لسان صدق عليا) قال: الثناء الحسن.
سورة مريم الآية (51 - 60)