الكريم) فكيف لا يكون إلها وربا، لما هو دون العرش الكريم من المخلوقات، ووصف العرش بالكريم لنزول الرحمة والخير منه، أو باعتبار من استوى عليه، كما يقال بيت كريم: إذا كان ساكنوه كراما. قرأ أبو جعفر وابن محيصن وإسماعيل وأبان بن ثعلب " الكريم " بالرفع على أنه نعت لرب، وقرأ الباقون بالجر على أنه نعت للعرش.
ثم زيف ما عليه أهل الشرك توبيخا لهم وتقريعا فقال (ومن يدع مع الله إلها آخر) يعبده مع الله أو يعبده وحده، وجملة (لا برهان له به) في محل نصب صفة لقوله إلها، وهى صفة لازمة جئ بها للتأكيد، كقوله " يطير بجناحيه " والبرهان: الحجة الواضحة والدليل الواضح، وجواب الشرط قوله (فإنما حسابه عند ربه) وجملة لا برهان له به معترضة بين الشرط والجزاء، كقولك: من أحسن إلى زيد لا أحق منه بالإحسان، فالله مثيبه، وقيل إن جواب الشرط قوله: لا برهان له به على حذف فاء الجزاء كقول الشاعر: * من يفعل الحسنات الله يشكرها * (إنه لا يفلح الكافرون) قرأ الحسن وقتادة بفتح " أن " على التعليل، وقرأ الباقون بالكسر على الاستئناف، وقرأ الحسن " لا يفلح " بفتح الياء واللام مضارع فلح بمعنى أفلح. ثم ختم هذه السورة بتعليم رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن يدعوه بالمغفرة والرحمة فقال (وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين) أمره سبحانه بالاستغفار لتقتدي به أمته، وقيل أمره بالاستغفار لأمته. وقد تقدم بيان كونه أرحم الراحمين، ووجه اتصال هذا بما قبله أنه سبحانه لما شرح أحوال الكفار أمر بالانقطاع إليه والالتجاء إلى غفرانه ورحمته.
وقد أخرج ابن أبي الدنيا في ذكر الموت وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال: إذا أدخل الكافر في قبره فيرى مقعده من النار (قال رب ارجعون) أتوب أعمل صالحا، فيقال له قد عمرت ما كنت معمرا، فيضيق عليه قبره، فهو كالمنهوش ينازع ويفزع تهوى إليه حياة الأرض وعقاربها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريج قال: زعموا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعائشة: إن المؤمن إذا عاين الملائكة قالوا: نرجعك إلى الدنيا، فيقول: إلى دار الهموم والأحزان، بل قدما إلى الله، وأما الكافر فيقولون له: نرجعك، فيقول: رب ارجعون (لعلى أعمل صالحا فيما تركت) وهو مرسل. وأخرج الديلمي عن جابر بن عبد الله قال، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا حضر الإنسان الوفاة يجمع له كل شئ يمنعه عن الحق فيجعل بين عينيه، فعند ذلك يقول:
رب ارجعون لعلي أعمل صالحا فيما تركت ". وأخرج البيهقي في الأسماء والصفات من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله (أعمل صالحا) قال: أقول لا إله إلا الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن عائشة قالت: ويل لأهل المعاصي من أهل القبور، يدخل عليهم في قبورهم حياة سود، حية عند رأسه وحية عند رجليه، يقرصانه حتى تلتقيا في وسطه، فذلك العذاب في البرزخ الذي قال الله (ومن وراءهم برزخ إلى يوم يبعثون). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) قال: حين نفخ في الصور، فلا يبقى حي إلا الله. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أنه سئل عن قوله (فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون) وقوله " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " فقال: إنها مواقف، فأما الموقف الذي لا أنساب بينهم ولا يتساءلون عند الصعقة الأولى ولا أنساب بينهم فيها إذا صعقوا، فإذا كانت النفخة الآخرة فإذا هم قيام يتساءلون. وأخرج ابن جرير والحاكم وصححه عنه أيضا أنه سئل عن الآيتين فقال: أما قوله (ولا يتساءلون) فهذا في النفخة الأولى حين لا يبقى على الأرض شئ، وأما قوله (فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) فإنهم لما دخلوا الجنة أقبل بعضهم على بعض يتساءلون. وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو نعيم في الحلية وابن عساكر عن ابن مسعود قال: إذا كان يوم القيامة جمع الله الأولين