عنه يلزمه أن يكون قاعدا عن الطلب، وقيل إن من شأن المذموم المخذول أن يقعد نادما مفكرا على ما فرط منه فالقعود على هذا حقيقة، وانتصاب (مذموما مخذولا) على خبرية تقعد أو على الحال: أي فتصير جامعا بين الأمرين الذم لك من الله ومن ملائكته، ومن صالحي عباده، والخذلان لك منه سبحانه، أو حال كونك جامعا بين الأمرين. ثم لما ذكر ما هو الركن الأعظم وهو التوحيد أتبعه سائر الشعائر والشرائع فقال (وقضى ربك) أي أمر أمرا جزما، وحكما قطعا، وحتما مبرما (أن لا تعبدوا) أي بأن لا تعبدوا، فتكون أن ناصبة، ويجوز أن تكون مفسرة ولا نهى. وقرئ " ووصى ربك " أي وصى عباده بعبادته وحده. ثم أردفه بالأمر ببر الوالدين فقال (وبالوالدين احسانا) أي وقضى بأن تحسنوا بالوالدين إحسانا، أو وأحسنوا بهما إحسانا، ولا يجوز أن يتعلق بالوالدين بإحسانا، لأن المصدر لا يتقدم عليه ما هو متعلق به. قيل ووجه ذكر الإحسان إلى الوالدين بعد عبادة الله سبحانه أنهما السبب الظاهر في وجود المتولد بينهما، وفى جعل الإحسان إلى الأبوين قرينا لتوحيد الله وعبادته من الإعلان بتأكد حقهما والعناية بشأنهما مالا يخفى، وهكذا جعل سبحانه في آية أخرى شكرهما مقترنا بشكره فقال - أن اشكر لي ولوالديك - ثم خص سبحانه حالة الكبر بالذكر لكونها إلى البر من الولد أحوج من غيرها فقال (إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما) إما مركبة من إن الشرطية وما الإبهامية لتأكيد معنى الشرط ثم أدخلت نون التوكيد في الفعل لزيادة التقرير كأنه قيل: إن هذا الشرط مما سيقع البتة عادة. قال النحويون:
إن الشرط يشبه النهي من حيث الجزم وعدم الثبوت، فلهذا صح دخول النون المؤكدة عليه. وقرأ حمزة والكسائي " يبلغان " قال الفراء: ثنى لأن الوالدين قد ذكرا قبله فصار الفعل على عددهما، ثم قال (أحدهما أو كلاهما) على الاستئناف، وأما على قراءة " يبلغن " فأحدهما فاعل بالاستقلال وقوله " أو كلاهما " فاعل أيضا لكن لا بالاستقلال بل بتبعية العطف، والأولى أن يكون أحدهما على قراءة " يبلغان " بدل من الضمير الراجع إلى الوالدين في الفعل ويكون كلاهما عطفا على البدل، ولا يصح جعل كلاهما تأكيدا للضمير لاستلزام العطف المشاركة، ومعنى عندك في كنفك وكفالتك، وتوحيد الضمير في عندك ولا تقل وما بعدهما للإشعار بأن كل قرد من الأفراد منهي بما فيه النهي، ومأمور بما فيه الأمر، ومعنى (فلا تقل لهما أف) لا تقل لواحد منهما في حالتي الاجتماع والانفراد، وليس المراد حالة الاجتماع فقط، وفى أف لغات: ضم الهمزة مع الحركات الثلاث في الفاء، وبالتنوين وعدمه، وبكسر الهمز والفاء بلا تنوين، وأفي ممالا، وأفة بالهاء. قال الفراء: تقول العرب فلان يتأفف من ريح وجدها:
أي يقول أف أف. وقال الأصمعي: الأف وسخ الأذن، والثف وسخ الأظفار، يقال ذلك عند استقذار الشئ ثم كثر حتى استعملوه في كل ما يتأذون به، وروى ثعلب عن ابن الأعرابي أن الأفف الضجر. وقال القتيبي:
أصله أنه إذا سقط عليه تراب ونحوه نفخ فيه ليزيله، فالصوت الحاصل عند تلك النفخة هو قول القائل أف، ثم توسعوا فذكروه عند كل مكروه يصل إليهم. وقال الزجاج: معناه النتن. وقال أبو عمرو بن العلاء: الأف وسخ بين الأظفار والثف قلامتها. والحاصل أنه اسم فعل ينبئ عن التضجر والاستثقال، أو صوت ينبئ عن ذلك، فنهى الولد عن أن يظهر منه ما يدل على التضجر من أبويه أو الاستثقال لهما، وبهذا النهي يفهم النهي عن سائر ما يؤذيها بفحوى الخطاب أو بلحنه كما هو متقرر في الأصول (ولا تنهرهما) النهر: الزجر والغلظة، يقال نهره وانتهره: إذا استقبله بكلام يزجره. قال الزجاج: معناه لا تكلمهما ضجرا صائحا في وجوههما (وقل لهما) بدل التأفيف والنهر (قولا كريما) أي لينا لطيفا أحسن ما يمكن التعبير عنه من لطف القول وكرامته مع التأدب والحياء والاحتشام (واخفض لها جناح الذل من الرحمة) ذكر القفال في معنى خفض الجناح وجهين: الأول أن الطائر