هي التعليلية (وله من في السماوات والأرض) عبيدا وملكا، وهو خالقهم ورازقهم ومالكهم، فكيف يجوز أن يكون له بعض مخلوقاته شريكا يعبد كما يعبد، وهذه الجملة مقررة لما قبلها (ومن عنده) يعني الملائكة، وفيه رد على القائلين بأن الملائكة بنات الله، وفى التعبير عنهم بكونهم عنده إشارة إلى تشريفهم وكرامتهم، وأنهم بمنزلة المقربين عند الملوك، ثم وصفهم بقوله (لا يستكبرون عن عبادته) أي لا يتعاظمون ولا يأنفون عن عبادة الله سبحانه والتذلل له (ولا يستحسرون) أي لا يعيون، مأخوذ من الحسير، وهو البعير المنقطع بالإعياء والتعب، يقال:
حسر البعير يحسر حسورا أعيا وكل، واستحسر وتحسر مثله وحسرته أنا حسرا، يتعدى ولا يتعدى. قال أبو زيد: لا يكلون، وقال ابن الأعرابي: لا يفشلون. قال الزجاج: معنى الآية أن هؤلاء الذين ذكرتم أنهم أولاد الله عباد الله لا يأنفون عن عبادته ولا يتعظمون عنها كقوله - إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته - وقيل المعنى: لا ينقطعون عن عبادته وهذه المعاني متقاربة (يسبحون الليل والنهار لا يفترون) أي ينزهون الله سبحانه دائما لا يضعفون عن ذلك ولا يسأمون، وقيل يصلون الليل والنهار. قال الزجاج: مجرى التسبيح منهم كمجرى النفس منا لا يشغلنا عن النفس شئ، فكذلك تسبيحهم دائم، وهذه الجملة إما مستأنفة جواب سؤال مقدر، أو في محل نصب على الحال (أم اتخذوا آلهة من الأرض) قال المفضل: مقصود هذا الاستفهام الجحد: أي لم يتخذوا آلهة تقدر على الإحياء، وأم هي المنقطعة، والهمزة لإنكار الوقوع. قال المبرد: إن أم هنا بمعنى هل:
أي هل اتخذ هؤلاء المشركون آلهة من الأرض يحيون الموتى، ولا تكون أم هنا بمعنى بل، لأن ذلك يوجب لهم إنشاء الموتى إلا أن تقدر أم مع الاستفهام، فتكون أم المنقطعة، فيصح المعنى، ومن الأرض متعلق باتخذوا، أو بمحذوف هو صفة لآلهة، ومعنى (هم ينشرون) هم يبعثون الموتى، والجملة صفة لآلهة، وهذه الجملة هي التي يدور عليها الإنكار والتجهيل، لا نفس الاتخاذ، فإنه واقع منهم لا محالة. والمعنى: بل اتخذوا آلهة من الأرض هم خاصة مع حقارتهم ينشرون الموتى، وليس الأمر كذلك، فإن ما اتخذوها آلهة بمعزل عن ذلك. قرأ الجمهور " ينشرون " بضم الياء وكسر الشين من أنشره: أي أحياه، وقرأ الحسن بفتح الياء: أي يحيون ولا يموتون، ثم إنه سبحانه أقام البرهان على بطلان تعدد الآلهة، فقال (لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا) أي لو كان في السماوات والأرض آلهة معبودون غير الله لفسدتا: أي لبطلتا، يعني السماوات والأرض بما فيهما من المخلوقات. قال الكسائي وسيبويه والأخفش والزجاج وجمهور النحاة: إن إلا هنا ليست للاستثناء بل بمعنى غير صفة لآلهة، ولذلك ارتفع الاسم الذي بعدها وظهر فيه إعراب غير التي جاءت إلا بمعناها، ومنه قول الشاعر:
وكل أخ مفارقه أخوه * لعمر أبيك إلا الفرقدان وقال الفراء: إن إلا هنا بمعنى سوى، والمعنى: لو كان فيهما آلهة سوى الله لفسدتا، ووجه الفساد أن كون مع الله إلها آخر يستلزم أن يكون كل واحد منهما قادرا على الاستبداد بالتصرف، فيقع عند ذلك التنازع والاختلاف ويحدث بسببه الفساد اه (فسبحان الله رب العرش عما يصفون) الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها من ثبوت الوحدانية بالبرهان: أي تنزه عز وجل عما لا يليق به من ثبوت الشريك له، وفيه إرشاد للعباد أن ينزهوا الرب سبحانه عما لا يليق به (لا يسأل عما يفعل) هذه الجملة مستأنفة مبينة أنه سبحانه لقوة سلطانه وعظيم جلاله لا يسأله أحد من خلقه عن شئ من قضائه وقدره (وهم) أي العباد (يسألون) عما يفعلون أي يسألهم الله عن ذلك لأنهم عبيده. وقيل إن المعنى أنه سبحانه لا يؤاخذ على أفعاله وهم يؤاخذون. قيل والمراد بذلك أنه سبحانه بين لعباده أن من يسأل عن أعماله كالمسيح والملائكة لا يصلح لأن يكون إلها (أم اتخذوا من دونه آلهة) أي بل اتخذوا، وفيه