سورة الحجر الآية (13 - 15) قوله (الر) قد تقدم الكلام في محله مستوفى، والإشارة بقوله (تلك) إلى ما تضمنته السورة من الآيات والتعريف في الكتاب. قيل هو للجنس، والمراد جنس الكتب المتقدمة، وقيل المراد به القرآن، ولا يقدح في هذا ذكر القرآن بعد الكتاب، فقد قيل إنه جمع له بين الاسمين، وقيل المراد بالكتاب هذه السورة، وتنكير القرآن للتفخيم: أي القرآن الكامل (ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين) قرأ نافع وعاصم بتخفيف الباء من ربما.
وقرأ الباقون بتشديدها، وهما لغتان. قال أبو حاتم: أهل الحجاز يخففون، ومنه قول الشاعر:
* ربما ضربة بسيف صقيل * بين بصرى وطعنة نجلاء وتيم وربيعة يثقلونها. وقد تزداد التاء الفوقية، وأصلها أن تستعمل في القليل. وقد تستعمل في الكثير. قال الكوفيون أي يود الكفار في أوقات كثيرة لو كانوا مسلمين. ومنه قول الشاعر:
رب رفد هرقته ذلك اليو * م وأسرى من معشر أقيال وقيل هي هنا للتقليل لأنهم ودوا ذلك في بعض المواضع لا في كلها لشغلهم بالعذاب. قيل وما هنا لحقت رب لتهيئها للدخول على الفعل، وقيل هي نكرة بمعنى شئ، وإنما دخلت رب هنا على المستقبل مع كونها لا تدخل إلا على الماضي، لأن المترقب في أخباره سبحانه كالواقع المتحقق، فكأنه قيل: ربما ود الذين كفروا لو كانوا مسلمين أي منقادين لحكمه مذعنين له من جملة أهله. وكانت هذه الودادة منهم عند موتهم أو يوم القيامة. والمراد أنه لما انكشف لهم الأمر واتضح بطلان ما كانوا عليه من الكفر وأن الدين عند الله سبحانه هو الإسلام لا دين غيره حصلت منهم هذه الودادة التي لا تسمن ولا تغنى من جوع. بل هي لمجرد التحسر والتندم ولوم النفس على ما فرطت في جنب الله، وقيل كانت هذه الودادة منهم عند معاينة حالهم وحال المسلمين، وقيل عند خروج عصاة الموحدين من النار، والظاهر أن هذه الودادة كائنة منهم في كل وقت مستمرة في كل لحظة بعد انكشاف الأمر لهم (ذرهم يأكلوا ويتمتعوا) هذا تهديد لهم: أي دعهم عما أنت بصدده من الأمر لهم والنهى. فهم لا يرعوون أبدا ولا يخرجون من باطل ولا يدخلون في حق، بل مرهم بما هم فيه من الاشتغال بالأكل والتمتع بزهرة الدنيا، فإنهم كالأنعام التي لا تهتم إلا بذلك ولا تشتغل بغيره، والمعنى: اتركهم على ما هم عليه من الاشتغال بالأكل ونحوه من متاع الدنيا ومن إلهاء الأمل لهم عن اتباعك فسوف يعلمون عاقبة أمرهم وسوء صنيعهم. وفى هذا من التهديد والزجر ما لا يقدر قدره، يقال ألهاه كذا: أي شغله، ولهى هو عن الشئ يلهى: أي شغلهم الأمل عن اتباع الحق، وما زالوا في الآمال الفارغة والتمنيات الباطلة حتى أسفر الصبح لذي عينين وانكشف الأمر ورأوا العذاب يوم القيامة، فعند ذلك يذوقون وبال ما صنعوا. والأفعال الثلاثة مجزومة على أنها جواب الأمر، وهذه الآية منسوخة بآية السيف (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم) أي وما أهلكنا قرية من القرى بنوع من أنواع العذاب (إلا ولها) أي لتلك القرية (كتاب) أي أجل مقدر لا تتقدم عليه ولا تتأخر عنه (معلوم) غير مجهول ولا منسى فلا يتصور التخلف عنه بوجه من الوجوه. وجملة (لها كتاب) في محل نصب على الحال من قرية وإن كانت نكرة لأنها قد صارت بما فيها من العموم في حكم الموصوفة، والواو للفرق بين كون هذه الجملة حالا، أو صفة فإنها تعينها للحالية