أي فيما ذكر من مد الأرض وإثباتها بالجبال، وما جعله الله فيها من الثمرات المتزاوجة، وتعاقب النور والظلمة آيات بينة للناظرين المتفكرين المعتبرين (وفى الأرض قطع متجاورات) هذا كلام مستأنف مشتمل على ذكر نوع آخر من أنواع الآيات، قيل وفى الكلام حذف: أي قطع متجاورات، وغير متجاورات كما في قوله - سرابيل تقيكم الحر - أي وتقيكم البرد. قيل والمتجاورات: المدن وما كان عامرا، وغير المتجاورات: الصحارى وما كان غير عامر وقيل المعنى: متجاورات متدانيات، ترابها واحد وماؤها واحد، وفيها زرع وجنات، ثم تتفاوت في الثمار فيكون البعض حلوا والبعض حامضا، والبعض طيبا والبعض غير طيب، والبعض يصلح فيه نوع والبعض الآخر نوع آخر (وجنات من أعناب) الجنات: البساتين، قرأ الجمهور برفع جنات على تقدير: وفى الأرض جنات، فهو معطوف على قطع متجاورات، أو على تقدير: وبينها جنات. وقرأ الحسن بالنصب على تقدير: وجعل فيها جنات، وذكر سبحانه الزرع بين الأعناب والنخيل، لأنه يكون في الخارج كثيرا كذلك، ومثله في قوله سبحانه - جعلنا لأحدهما جنتين من أعناب وحففناهما بنخل وجعلنا بينهما زرعا - (صنوان وغير صنوان) قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحفص (وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان) برفع هذه الأربع عطفا على جنات. وقرأ الباقون بالجر عطفا على أعناب وقرأ مجاهد والسلمي بضم الصاد من صنوان وقرأ الباقون بالكسر، وهما لغتان. قال أبو عبيدة صنوان: جمع صنو، وهو أن يكون الأصل واحدا، ثم يتفرع فيصير نحيلا، ثم يحمل، وهذا قول جميع أهل اللغة والتفسير. قال ابن الأعرابي: الصنو: المثل: ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم " عم الرجل صنو أبيه " فمعنى الآية على هذا: أن أشجار النخيل قد تكون متماثلة وقد لا تكون. قال في الكشاف: والصنوان جمع صنو، وهى النخلة لها رأسان وأصلها واحد، وقيل الصنوان المجتمع، وغير الصنوان المفترق. النحاس: وهو كذلك في اللغة، يقال للنخلة إذا كانت فيها نخلة أخرى أو أكثر: صنوان. والصنو: المثل، ولا فرق بين التثنية والجمع إلا بكسر النون في المثنى، وبما يقتضيه الإعراب في الجمع (يسقى بماء واحد) قرأ عاصم وابن عامر: يسقى بالتحتية: أي يسقى ذلك كله. وقرأ الباقون بالفوقية بإرجاع الضمير إلى جنات. واختاره أبو حاتم وأبو عبيد وأبو عمرو. قال أبو عمرو:
التأنيث أحسن لقوله (ونفضل بعضها على بعض في الأكل) ولم يقل بعضه. وقرأ حمزة والكسائي " يفضل " بالتحتية كما في قوله - يدبر الأمر يفصل الآيات - وقرأ الباقون بالنون على تقدير: ونحن نفضل وفى هذه الدلالة على بديع صنعه وعظيم قدرته ما لا يخفى على من له عقل - فإن القطع المتجاورة والجنات المتلاصقة المشتملة على أنواع النبات مع كونها تسقى بماء واحد وتتفاضل في الثمرات في الأكل، فيكون طعم بعضها حلوا والآخر حامضا، وهذا في غاية الجودة، وهذا ليس بجيد، وهذا فائق في حسنه. وهذا غير فائق مما يقطع من تفكر واعتبر ونظر نظر العقلاء أن السبب المقتضي لاختلافها ليس إلا قدرة الصانع الحكيم جل سلطانه وتعالى شأنه، لأن تأثير الاختلاف فيما يخرج منها ويحصل من ثمراتها لا يكون في نظر العقلاء إلا لسببين: إما اختلاف المكان الذي هو المنبت، أو اختلاف الماء الذي تسقى به، فإذا كان المكان متجاورا، وقطع الأرض متلاصقة، والماء الذي تسقى به واحدا، لم يبق سبب للاختلاف في نظر العقل إلا تلك القدرة الباهرة والصنع العجيب، ولهذا قال الله سبحانه (إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون) أي يعملون على قضية العقل وما يوجبه غير مهملين لما يقتضيه من التفكر في المخلوقات والاعتبار في العبر الموجودات وقد أخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (المر) قال: أنا الله أرى. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد " المر " فواتح يفتتح بها كلامه وأخرج ابن جرير وابن المنذر عنه في قوله (تلك آيات الكتاب)