سورة النحل الآية (101 - 105).
هذا شروع في ترغيب كل مؤمن في كل عمل صالح. وتعميم للوعد، ومعنى (من عمل صالحا) من عمل عملا صالحا أي عمل كان، وزيادة التمييز بذكر أو أنثى مع كون لفظ " من " شاملا لهما لقصد التأكيد والمبالغة في تقرير الوعد، وقيل إن لفظ " من " ظاهر في الذكور، فكان في التنصيص على الذكر والأنثى بيان لشموله للنوعين وجملة (وهو مؤمن) في محل نصب على الحال. جعل سبحانه الإيمان قيدا في الجزاء المذكور لأن عمل الكافر لا اعتداد به لقوله سبحانه - وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا - ثم ذكر سبحانه الجزاء لمن عمل ذلك العمل الصالح فقال (فلنحيينه حياة طيبة) وقد وقع الخلاف في الحياة الطيبة بماذا تكون؟ فقيل بالرزق الحلال، وروى ذلك عن ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء والضحاك. وقيل بالقناعة، قاله الحسن البصري وزيد بن وهب ووهب بن منبه. وروى أيضا عن علي وابن عباس. وقيل بالتوفيق إلى الطاعة قاله الضحاك. وقيل الحياة الطيبة هي حياة الجنة، روى عن مجاهد وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم. وحكى عن الحسن أنه قال: لا تطيب الحياة لأحد إلا في الجنة، وقيل الحياة الطيبة هي السعادة، روى ذلك عن ابن عباس. وقيل هي المعرفة بالله، حكى ذلك عن جعفر الصادق. وقال أبو بكر الوراق: هي حلاوة الطاعة. وقال سهل بن عبد الله التستري: هي أن ينزع عن العبد تدبير نفسه ويرد تدبيره إلى الحق. وقيل هي الاستغناء عن الخلق والافتقار إلى الحق، وأكثر المفسرين على أن هذه الحياة الطيبة هي في الدنيا لا في الآخرة، لأن حياة الآخرة قد ذكرت بقوله (ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون) وقد قدمنا قريبا تفسير الجزاء بالأحسن، ووحد الضمير في لنحيينه وجمعه في ولنجزينهم حملا على لفظ من، وعلى معناه. ثم لما ذكر سبحانه العمل الصالح والجزاء عليه أتبعه بذكر الاستعاذة التي تخلص بها الأعمال الصالحة عن الوساوس الشيطانية فقال (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) والفاء لترتيب الاستعاذة على العمل الصالح، وقيل هذه الآية متصلة بقوله - ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ - والتقدير: فإذا أخذت في قراءته فاستعذ. قال الزجاج وغيره من أئمة اللغة: معناه إذا أردت. أن تقرأ القرآن فاستعذ وليس معناه استعذ بعد أن تقرأ القرآن، ومثله: إذا أكلت فقل بسم الله. قال الواحدي: وهذا إجماع الفقهاء أن الاستعاذة قبل القراءة، إلا ما روى عن أبي هريرة وابن سيرين وداود ومالك وحمزة من القراء فإنهم قالوا: الاستعاذة بعد القراءة، ذهبوا إلى ظاهر الآية، ومعنى فاستعذ بالله: أسأله سبحانه أن يعيذك من الشيطان الرجيم: أي من وساوسه، وتخصيص قراءة القرآن من بين الأعمال الصالحة بالاستعاذة عند إرادتها للتنبيه على أنها لسائر الأعمال الصالحة عند إرادتها أهم، لأنه إذا وقع الأمر بها عند قراءة القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه