منصوب بالفعل الذي بعده، ومعنى حشرهم إلى الرحمن: حشرهم إلى جنته ودار كرامته، كقوله - إني ذاهب إلى ربى - والوفد جمع وافد كالركب جمع راكب وصحب جمع صاحب، يقال وفد يفد وفدا إذا خرج إلى ملك أو أمر خطير كذا قال الجوهري (ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا) السوق الحث على السير، والورد العطاش قاله الأخفش وغيره. وقال الفراء وابن الأعرابي: هم المشاة، وقال الأزهري: هم المشاة العطاش كالإبل ترد الماء. وقيل وردا:
أي للورد، كقولك جئتك إكراما: أي للإكرام، وقيل أفرادا. قيل ولا تناقض بين هذه الأقوال فهم يساقون مشاة عطاشا أفرادا، وأصل الورد الجماعة التي ترد الماء من طير أو إبل أو قوم أو غير ذلك. والورد الماء الذي يورد، وجملة (لا يملكون الشفاعة) مستأنفة لبيان بعض ما يكون في ذلك اليوم من الأمور، والضمير في يملكون راجع إلى الفريقين، وقيل للمتقين خاصة، وقيل للمجرمين خاصة، والأول أولى. ومعنى لا يملكون الشفاعة:
أنهم لا يملكون أن يشفعوا لغيرهم. وقيل لا يملك غيرهم أن يشفع لهم، والأول أولى (إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) هذا الاستثناء متصل على الوجه الأول: أي لا يملك الفريقان المذكوران الشفاعة إلا من استعد لذلك بما يصير به من جملة الشافعين لغيرهم بأن يكون مؤمنا متقيا، فهذا معنى اتخاذ العهد عند الله. وقيل معنى اتخاذ العهد أن الله أمره بذلك كقولهم: عهد الأمير إلى فلان إذا أمره به. وقيل معنى اتخاذ العهد شهادة أن لا إله إلا الله، وقيل غير ذلك.
وعلى الاتصال في هذا الاستثناء يكون محل من في " من اتخذ " الرفع على البدل، أو النصب على أصل الاستثناء. وأما على الوجه الثاني فالاستثناء منقطع لأن التقدير: لا يملك المجرمون الشفاعة (إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا) وهم المسلمون. وقيل هو متصل على هذا الوجه أيضا، والتقدير: لا يملك المجرمون الشفاعة إلا من كان منهم مسلما (وقالوا اتخذ الرحمن ولدا) قرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة والكسائي " ولدا " بضم الواو وإسكان اللام. وقرأ الباقون في الأربعة المواضع المذكورة في هذه السورة بفتح الواو واللام، وقد قدمنا الفرق بين القراءتين، والجملة مستأنفة لبيان قول اليهود والنصارى ومن يزعم من العرب أن الملائكة بنات الله، وفى قوله (لقد جئتم شيئا إدا) التفات من الغيبة إلى الخطاب، وفيه رد لهذه المقالة الشنعاء، والإد كما قال الجوهري: الداهية والأمر الفظيع، وكذلك الأدة، وجمع الأدة أدد، يقال أدت فلانا الداهية تؤده أداء بالفتح. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي " أدا " بفتح الهمزة، وقرأ الجمهور بالكسر، وقرأ ابن عباس وأبو العالية " آدا " مثل مادا، وهى مأخوذة من الثقل، يقال أده الحمل يؤده: إذا أثقله. قال الواحدي (لقد جئتم شيئا إدا) أي عظيما في قول الجميع، ومعنى الآية: قلتم قولا عظيما. وقيل الإد العجب، والإدة الشدة، والمعنى متقارب والتركيب يدور على الشدة والثقل (يكاد السماوات يتفطرن منه) قرأ نافع والكسائي وحفص ويحيى بن وثاب " يكاد " بالتحتية، وقرأ الباقون بالفوقية وقرأ نافع وابن كثير وحفص " يتفطرن " بالتاء الفوقية، وقرأ حمزة وابن عامر وأبو عمرو وأبو بكر والمفضل " يتفطرن " بالتحتية من الانفطار، واختار هذه القراءة أبو عبيد لقوله - إذا السماء انفطرت - وقوله - السماء منفطر به - وقرأ ابن مسعود " يتصدعن " والانفطار والتفطر التشقق (وتنشق الأرض) أي وتكاد أن تنشق الأرض، وكرر الفعل للتأكيد لأن تتفطرن وتنشق معناهما واحد (وتخر الجبال) أي تسقط وتنهدم، وانتصاب (هدا) على أنه مصدر مؤكد لأن الخرور في معناه، أو هو مصدر لفعل مقدر: أي وتنهد هدا، أو على الحال أي مهدودة، أو على أنه مفعول له: أي لأنها تنهد. قال الهروي: يقال هدني الأمر وهد ركني: أي كسرني لم وبلغ منى.
قال الجوهري: هد البناء يهده هدا كسره وضعضعه، وهدته المصيبة أوهنت ركنه، وانهد الجبل: أي انكسر والهدة صوت وقع الحائط، كما قال ابن الأعرابي، ومحل (أن دعوا للرحمن ولدا) الجر بدلا من الضمير في منه.