لكونهما أعظم ما يشاهده العباد من مخلوقاته عز وجل، والعلى: جمع العليا: أي المرتفعة كجمع كبرى وصغرى على كبر وصغر. ومعنى الآية إخبار العباد عن كمال عظمته سبحانه وعظيم جلاله، وارتفاع (الرحمن) على أنه خبر مبتدأ محذوف كما قال الأخفش، ويجوز أن يكون مرتفعا على المدح أو على الابتداء. وقرئ بالجر، قال الزجاج على البدل ممن، وجوز النحاس أن يكون مرتفعا على البدل من المضمر في خلق، وجملة (على العرش استوى) في محل رفع على أنها خبر لمبتدأ محذوف، أو على أنها خبر الرحمن عند من جعله مبتدأ. قال أحمد بن يحيى:
قال ثعلب: الاستواء الإقبال على الشئ، وكذا قال الزجاج والفراء. وقيل هو. كناية عن الملك والسلطان، والبحث في تحقيق هذا يطول، وقد تقدم البحث عنه في الأعراف. والذي ذهب إليه أبو الحسن الأشعري أنه سبحانه مستو على عرشه بغير حد ولا كيف، وإلى هذا القول سبقه الجماهير من السلف الصالح الذي يمرون الصفات كما وردت من دون تحريف ولا تأويل (له ما في السماوات وما في الأرض) أي أنه مالك كل شئ ومدبره (وما بينهما) من الموجودات (وما تحت الثرى) الثرى في اللغة التراب الندي: أي ما تحت التراب من شئ.
قال الواحدي: والمفسرون يقولون إنه سبحانه أراد الثرى الذي تحت الصخرة التي عليها الثور الذي تحت الأرض ولا يعلم ما تحت الثرى إلا الله سبحانه (وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى) الجهر بالقول هو رفع الصوت به والسر ما حدث به الإنسان غيره وأسره إليه، والأخفى من السر هو ما حدث به الإنسان نفسه وأخطره بباله.
والمعنى: إن تجهر بذكر الله ودعائه فاعلم أنه غنى عن ذلك، فإنه يعلم السر وما هو أخفى من السر، فلا حاجة لك إلى الجهر بالقول، وفى هذا معنى النهي عن الجهر كقوله سبحانه - واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة - وقيل السر ما أسر الإنسان في نفسه، والأخفى منه هو ما خفي على ابن آدم مما هو فاعله وهو لا يعلمه وقيل السر ما أضمره الإنسان في نفسه، والأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد، وقيل السر سر الخلائق، والأخفى منه سر الله عز وجل، وأنكر ذلك ابن جرير وقال: إن الأخفى ما ليس في سر الإنسان وسيكون في نفسه. ثم ذكر أن الموصوف بالعبادة على الوجه المذكور هو الله سبحانه المنزه عن الشريك المستحق لتسميته بالأسماء الحسنى فقال (الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى) فالله خبر مبتدأ محذوف: أي الموصوف بهذه الصفات الكمالية الله، وجملة لا إله إلا هو مستأنفة لبيان اختصاص الإلهية به سبحانه: أي لا إله في الوجود إلا هو، وهكذا جملة له الأسماء الحسنى مبينة لاستحقاقه تعالى للأسماء الحسنى، وهى التسعة والتسعون التي ورد بها الحديث الصحيح.
وقد تقدم بيانها في قوله سبحانه - ولله الأسماء الحسنى - من سورة الأعراف، والحسنى تأنيث الأحسن، والأسماء مبتدأ وخبرها الحسنى، ويجوز أن يكون الله مبتدأ وخبره الجملة التي بعده، ويجوز أن يكون بدلا من الضمير في يعلم. ثم قرر سبحانه أمر التوحيد بذكر قصة موسى المشتملة على القدرة الباهرة، والخبر الغريب، فقال (وهل أتاك حديث موسى) الاستفهام للتقرير، ومعناه: أليس قد أتاك حديث موسى، وقيل معناه: قد أتاك حديث موسى، وقال الكلبي: لم يكن قد أتاه حديث موسى إذ ذاك. وفى سياق هذه القصة تسلية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما يلاقيه من مشاق أحكام النبوة، وتحمل أثقالها ومقاساة خطوبها، وأن ذلك شأن الأنبياء قبله. والمراد بالحديث القصة الواقعة لموسى، و (إذ رأى نارا) ظرف للحديث، وقيل العامل فيه مقدر: أي أذكر، وقيل يقدر مؤخرا: أي حين رأى نارا كان كيت وكيت، وكانت رؤيته للنار في ليلة مظلمة لما خرج مسافرا إلى أمه بعد استئذانه لشعيب (ف) لما رآها (قال لأهله امكثوا) والمراد بالأهل هنا امرأته، والجمع لظاهر لفظ الأهل أو للتفخيم، وقيل المراد بهم المرأة والولد والخادم، ومعنى امكثوا أقيموا مكانكم، وعبر بالمكث دون الإقامة، لأن