وصلا ووقفا، وحذفها أبو عمرو في الوقف، وحذفها نافع في الوصل والوقف. قال القرطبي: وأجمع الناس على الاستواء في المسجد الحرام نفسه.
واختلفوا في مكة فذهب مجاهد ومالك إلى أن دور مكة ومنازلها يستوى فيها المقيم والطارىء. وذهب عمر بن الخطاب وابن عباس وجماعة إلى أن للقادم أن ينزل حيث وجد، وعلى رب المنزل أن يؤويه شاء أم أبى. وذهب الجمهور إلى أن دور مكة ومنزلها ليست كالمسجد الحرام، ولأهلها مع الطارىء من النزول فيها. والحاصل أن الكلام في هذا راجع إلى أصلين: الأصل الأول ما في هذه الآية هل المراد بالمسجد الحرام المسجد نفسه. أو جميع الحرم، أو مكة على الخصوص. والثاني هل كان فتح مكة صلحا أو عنوة؟ وعلى فرض أن فتحها كان عنوة هل أقرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في يد أهلها على الخصوص؟ أو جعلها لمن نزل بها على العموم؟ وقد أوضحنا هذا في شرحنا على المنتقى بما لا يحتاج الناظر فيه إلى زيادة (ومن يرد فيه بالحاد بظلم نذقه من عذاب أليم) مفعول يرد محذوف لقصد التعميم، والتقدير: ومن يرد فيه مرادا: أي مراد بإلحاد: أي بعدول عن القصد، والإلحاد في اللغة الميل إلا أنه سبحانه بين هنا أنه الميل بظلم.
وقد اختلف في هذا الظلم ما ذا هو؟ فقيل هو الشرك، وقيل الشرك، وقيل الشرك والقتل، وقيد صيد حيواناته وقطع أشجاره، وقيل هو الحلف فيه بالأيمان الفاجرة، وقيل المراد المعاصي فيه على العموم، وقيل المراد بهذه الآية أنه يعاقب بمجرد الإرادة للمعصية في ذلك المكان. وقد ذهب إلى هذا ابن مسعود وابن عمر والضحاك وابن زيد وغيرهم حتى قالوا لو هم الرجل في الحرم بقتل رجل بعدن لعذبه الله. والحاصل أن هذه الآية دلت على أن من كان في البيت الحرام مأخوذا بمجرد الإرادة للظلم، فهي مخصصة لما ورد من أن الله غفر لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها إلا أن يقال إن الإرادة فيها زيادة على مجرد حديث النفس، وبالجملة فالبحث عن هذا وتقرير الحق فيه على وجه يجمع بين الأدلة ويرفع الإشكال يطول جدا، ومثل هذه الآية حديث " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار، قيل يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: إنه كان حريصا على قتله صاحبه " فدخل النار هنا بسبب مجرد حرصه على قتل صاحبه. وقد أفردنا هذا البحث برسالة مستقلة، والباء في قوله " بإلحاد " إن كان مفعول يرد محذوفا كما ذكرنا فليست بزائدة، وقيل إنها زائدة هنا كقول الشاعر:
نحن بنو جعدة أصحاب الفلج * نضرب بالسيف ونرجو بالفرج أي نرجو الفرج، ومثله:
ألم يأتيك والأنباء تنمى * بما لاقت لبون بنى زياد أي ما لاقت، ومن القائلين بأنها زائدة الأخفش، والمعنى عنده: ومن يرد فيه إلحادا بظلم. وقال الكوفيون:
دخلت الباء لأن المعنى بأن يلحد، والباء مع أن تدخل وتحذف، ويجوز أن يكون التقدير: ومن يرد الناس بإلحاد. وقيل إن يرد مضمن معنى يهم، والمعنى: ومن يهم فيه بإلحاد. وأما الباء في قوله بظلم فهي للسببية، والمعنى: ومن يرد فيه بإلحاد بسبب الظلم، ويجوز أن يكون بظلم بدلا من بإلحاد بإعادة الجار ويجوز أن يكونا حالين مترادفين (وإذا بوأنا لإبراهيم مكان البيت) أي واذكر وقت ذلك، يقال بوأته منزلا وبوأت له كما يقال مكنتك ومكنت لك. قال الزجاج: معناه جعلنا مكان البيت مبوأ لإبراهيم، ومعنى بوأنا: بينا له مكان البيت، ومثله قول الشاعر:
كم من أخ لي ماجد * بوأته بيدي لحدا وقال الفراء: إن اللام زائدة ومكان ظرف: أي أنزلناه فيه (ألا تشرك بي شيئا) قيل إن هذه هي مفسرة لبوأنا لتضمنه معنى تعبدنا، لأن التبوئة هي للعبادة. وقال أبو حاتم: هي مصدرية: أي لأن لا تشرك بي. وقيل هي