فكادوهم وكفروا بهم، وهذا تسلية من الله سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم حيث أخبره أن هذا ديدن الكفار من قديم الزمان مع رسل الله سبحانه، ثم أخبره بأن مكرهم هذا كالعدم، وأن المكر كله لله، فقال (فلله المكر جميعا) لا اعتداد بمكر غيره، ثم فسر سبحانه هذا المكر الثابت له دون غيره، فقال (يعلم ما تكسب كل نفس) من خير وشر فيجازيها على ذلك، ومن علم ما تكسب كل نفس وأعد لها جزاءها كان المكر كله له، لأنه يأتيهم من حيث لا يشعرون. وقال الواحدي: إن مكر الماكرين مخلوق فلا يضر إلا بإرادته، وقيل المعنى: فلله جزاء مكر الماكرين (وسيعلم الكافر لمن عقبى الدار) قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو " الكافر " بالإفراد، وقرأ الباقون " الكفار " بالجمع: أي سيعلم جنس الكافر لمن العاقبة المحمودة من الفريقين في دار الدنيا، أو في الدار الآخرة، أو فيهما، وقيل المراد بالكافر: أبو جهل (ويقول الذين كفروا لست مرسلا) أي يقول المشركون أو جميع الكفار: لست يا محمد مرسلا إلى الناس من الله، فأمره الله سبحانه بأن يجيب عليهم، فقال (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم) فهو يعلم صحة رسالتي، وصدق دعواتي، ويعلم كذبكم (ومن عنده علم الكتاب) أي علم جنس الكتاب كالتوراة والإنجيل، فإن أهلهما العالمين بهما يعلمون صحة رسالة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقد أخبر بذلك من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وتميم الداري ونحوهم، وقد كان المشركون من العرب يسألون أهل الكتاب ويرجعون إليهم، فأرشدهم الله سبحانه في هذه الآية إلى أن أهل الكتاب يعلمون ذلك، وقيل المراد بالكتاب القرآن ومن عنده علم منه هم المسلمون، وقيل المراد من عنده علم اللوح المحفوظ، وهو الله سبحانه واختار هذا الزجاج وقال: لأن الأشبه أن الله لا يستشهد على خلقه بغيره.
وقد أخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله (ننقصها من أطرافها) قال: ذهاب العلماء. وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة ونعيم بن حماد في الفتن وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله (ننقصها من أطرافها) قال: موت علمائها وفقهائها وذهاب خيار أهلها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن مجاهد في تفسير الآية قال: موت العلماء. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: أولم يروا أنا نفتح لمحمد الأرض بعد الأرض. وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق أخرى عنه نحوه. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الضحاك في الآية قال: يعنى أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينتقص له ما حوله من الأرضين ينظرون إلى ذلك فلا يعتبرون. وقال الله في سورة الأنبياء - نأتي الأرض ننقصها من أطرافها أفهم الغالبون -، بل نبي الله وأصحابه هم الغالبون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: نقصان أهلها وبركتها.
وأخرج ابن المنذر عنه قال: إنما تنقص الأنفس والثمرات وأما الأرض فلا تنقص. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال: أولم يروا إلى القرية تخرب حتى يكون العمران في ناحية منها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن مجاهد نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد (والله يحكم لا معقب لحكمه) ليس أحد يتعقب حكمه فيرده كما يتعقب أهل الدنيا بعضهم حكم بعض فيرده. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسقف من اليمن فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " هل تجدني في الإنجيل؟ قال لا، فأنزل الله (قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم ومن عنده علم الكتاب) " يقول عبد الله بن سلام.
وأخرج ابن مردويه من طريق عبد الملك بن عمير عن جندب قال: جاء عبد الله بن سلام حتى أخذ بعضادتي باب المسجد. ثم قال: أنشدكم بالله أتعلمون أنى الذي أنزلت في (ومن عنده علم الكتاب)؟ قالوا: اللهم نعم. وأخرج