(و) الحال أن (هم يكفرون بالرحمن) أي بالكثير الرحمة لعباده، ومن رحمته لهم إرسال الرسل إليهم وإنزال الكتب عليهم كما قال سبحانه - وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين - وجملة (قل هو ربى) مستأنفة بتقدير سؤال كأنهم قالوا:
وما الرحمن؟ فقال سبحانه (قل) يا محمد (هو ربى) أي خالقي (لا إله إلا هو) أي لا يستحق العبادة له والإيمان به سواه (عليه توكلت) في جميع أموري (وإليه) لا إلى غيره (متاب) أي توبتي، وفيه تعريض بالكفار وحث.
لهم على الرجوع إلى الله والتوبة من الكفر والدخول في الإسلام.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عبد الرحمن بن سابط في قوله (وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع) قال: كزاد الراعي يزوده أهله الكف من التمر أو الشئ من الدقيق أو الشئ يشرب عليه اللبن. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: كان الرجل يخرج في الزمان الأول في إبله، أو غنمه فيقول لأهله متعوني فيمتعونه فلقة الخبز أو التمر، فهذا مثل ضربه الله للدنيا. وأخرج الترمذي وصححه عن عبد الله بن مسعود قال " نام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على حصير فقام وقد أثر في جنبه، فقلنا يا رسول الله لو اتخذنا لك؟
فقال مالي وللدنيا، ما أنا في الدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركها ". وأخرج مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة عن المستورد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ما الدنيا في الآخرة إلا كمثل ما يجعل أحدكم أصبعه هذه في اليم فلينظر بم يرجع، وأشار بالسبابة ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله (وتطمئن قلوبهم بذكر الله) قال: هشت إليه واستأنست به. وأخرج أبو الشيخ عن السدي في الآية قال: إذا حلف لهم بالله صدقوا (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) قال: تسكن.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في الآية قال، بمحمد وأصحابه. وأخرج أبو الشيخ عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه حين نزلت هذه الآية " (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) هل تدرون ما معنى ذلك؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: من أحب الله ورسوله وأحب أصحابي ". وأخرج ابن مردويه عن علي " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما نزلت هذه الآية (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) قال: ذلك من أحب الله ورسوله، وأحب أهل بيتي صادقا غير كاذب، وأحب المؤمنين شاهدا وغائبا، ألا بذكر الله يتحابون ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله (طوبى لهم) قال: فرح وقرة عين. وأخرج ابن أبي شيبة وهناد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن عكرمة في قوله (طوبى لهم) قال نعم ما لهم.
وقد روى عن جماعة من السلف نحو ما قدمنا ذكره من الأقوال، والأرجح تفسير الآية بما روى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما أخرجه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني وابن مردويه والبيهقي عن عتبة بن عبد قال " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله في الجنة فاكهة؟
قال: نعم فيها شجرة تدعى طوبى " الحديث. وأخرج أحمد وأبو يعلى وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبان والخطيب في تاريخه عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أن رجلا قال: يا رسول الله طوبى لمن رآك وآمن بك، قال: طوبى لمن آمن بي ورآني، ثم طوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم يرني، فقال رجل:
وما طوبى؟ قال: شجرة في الجنة مسير مائة عام، ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " وفى باب أحاديث وآثار عن السلف، وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة، اقرءوا إن شئتم - وظل ممدود - " وفى بعض الألفاظ " إنها شجرة