عن ضيافة الناس، ويجوز حمل ما في الآية على ما هو أعم من هذين الأمرين (قال هؤلاء بناتي) فتزوجوهن (إن كنتم فاعلين) ما عزمتم عليه من فعل الفاحشة بضيفي فهؤلاء بناتي تزوجوهن حلالا ولا تركبوا الحرام، وقيل أراد ببناته نساء قومه، لكون النبي بمنزلة الأب لقومه، وقد تقدم تفسير هذا في هود (لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون) العمر والعمر بالفتح والضم واحد، لكنهم خصوا القسم بالمفتوح لإيثار الأخف فإنه كثير الدور على ألسنتهم، ذكر ذلك الزجاج. قال القاضي عياض: اتفق أهل التفسير في هذا أنه قسم من الله جل جلاله بمدة حياة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وكذا حكى إجماع المفسرين على هذا المعنى أبو بكر بن العربي فقال: قال المفسرون بأجمعهم: أقسم الله تعالى هاهنا بحياة محمد صلى الله عليه وسلم تشريفا له. قال أبو الجوزاء:
ما أقسم الله سبحانه بحياة أحد غير محمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه أكرم البرية عنده. قال ابن العربي: ما الذي يمتنع أن يقسم الله سبحانه بحياة لوط ويبلغ به من التشريف ما شاء، وكل ما يعطيه الله تعالى للوط من فضل يؤتى ضعفه من شرف لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم لأنه أكرم على الله منه أو لا تراه سبحانه أعطى إبراهيم الخلة وموسى التكليم، وأعطى ذلك لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم؟ فإذا أقسم الله سبحانه بحياة لوط فحياة محمد أرفع. قال القرطبي ما قاله حسن فإنه يكون قسمه سبحانه بحياة محمد صلى الله عليه وآله وسلم كلاما معترضا في قصة لوط فإن قيل قد أقسم الله سبحانه بالتين والزيتون وطور سينين، ونحو ذلك فما فيهما من فضل. وأجيب بأنه ما من شئ أقسم الله به إلا وفى ذلك دلالة على فضله على جنسه، وذكر صاحب الكشاف وأتباعه أن هذا القسم هو من الملائكة على إرادة القول: أي قالت الملائكة للوط لعمرك، ثم قال: وقيل الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنه أقسم بحياته وما أقسم بحياة أحد قط كرامة له انتهى. وقد كره كثير من العلماء القسم بغير الله سبحانه وجاءت بذلك الأحاديث الصحيحة في النهي عن القسم بغير الله فليس لعباده أن يقسموا بغيره، وهو سبحانه يقسم بما شاء من مخلوقاته - لا يسأل عما يفعل وهم يسألون -، وقيل الإقسام منه سبحانه بالتين والزيتون وطور سينين والنجم والضحى والشمس والليل ونحو ذلك هو على حذف مضاف هو المقسم به: أي وخالق التين وكذلك ما بعده، وفى قوله (لعمرك) أي وخالق عمرك، ومعنى " أنهم لفي سكرتهم يعمهون ": لفي غوايتهم يتحيرون، جعل الغواية لكونها تذهب بعقل صاحبها كما تذهب به الخمر سكرة والضمير لقريش على أن القسم بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، أو القوم لوط على أن القسم للرسول عليه السلام (فأخذتهم النصيحة) العظيمة أو صيحة جبريل حال كونهم (مشرقين) أي داخلين في وقت الشروق، يقال أشرقت الشمس: أي أضاءت وشرقت إذا طلعت وقيل هما لغتان بمعنى واحد وأشرق القوم إذا دخلوا في وقت شروق الشمس، وقيل أراد شروق الفجر، وقيل أول العذاب كان عند شروق الفجر وامتد إلى طلوع الشمس. والصيحة العذاب (فجعلنا عاليها سافلها) أي عالي المدينة سافلها (وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل) من طين متحجر، وقد تقدم الكلام مستوفى على هذا في سورة هود (إن في ذلك) أي في المذكور من قصتهم وبيان ما أصابهم (لآيات) لعلامات يستدل بها (للمتوسمين) للمتفكرين الناظرين في الأمر ومنه قول زهير:
وفيهن ملهى للصديق ومنظر * أنيق لعين الناظر المتوسم وقال الآخر: أو كلما وردت عكاظ قبيلة * بعثوا إلي عريفهم يتوسم وقال أبو عبيدة: للمتبصرين، وقال ثعلب: الواسم الناظر إليك من قرنك إلى قدمك، والمعنى متقارب، وأصل التوسم التثبت والتفكر، مأخوذ من الوسم وهو التأثير بحديدة في جلد البعير (وإنها لسبيل مقيم) يعني قرى