دخل فيه، والغمرة في الأصل ما يغمرك ويعلوك، وأصله الستر، والغمر: الماء الكثير لأنه يغطي الأرض، وغمر الرداء هو الذي يشمل الناس بالعطاء، ويقال للحقد الغمر، والمراد هنا: الحيرة والغفلة والضلالة، والآية خارجة مخرج التهديد لهم، لا مخرج الأمر له صلى الله عليه وآله وسلم بالكف عنهم، ومعنى (حتى حين) حتى يحضر وقت عذابهم بالقتل، أو حتى يموتوا على الكفر فيعذبون في النار (أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين) أي أيحسبون أنما نعطيهم في هذه الدنيا من الأموال والبنين (نسارع) به (لهم) فيما فيه خيرهم وإكرامهم، والهمزة للإنكار، والجواب عن هذا مقدر يدل عليه قوله (بل لا يشعرون) لأنه عطف على مقدر ينسحب إليه الكلام:
أي كلا لا نفعل ذلك بل هم لا يشعرون بشئ أصلا كالبهائم التي لا تفهم ولا تعقل، فإن ما خولناهم أبي من النعم وأمددناهم به من الخيرات إنما هو استدراج لهم ليزدادوا إثما كما قال سبحانه " إنما نملي لهم ليزدادوا إثما ". قال الزجاج: المعنى نسارع لهم به في الخيرات، فحذفت به، و " ما " في إنما موصولة، والرابط هو هذا المحذوف.
وقال الكسائي: إن أنما هنا حرف واحد فلا يحتاج إلى تقدير رابط. قيل يجوز الوقف على بنين، وقيل لا يحسن لأن يحسبون يحتاج إلى مفعولين، فتمام المفعولين في الخيرات. قال ابن الأنباري: وهذا خطأ لأن ما كافة. وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وعبد الرحمن بن أبي بكرة " يسارع " بالياء التحتية على أن فاعله ما يدل عليه أمددنا، وهو الإمداد، ويجوز أن يكون المعنى: يسارع الله لهم. وقرأ الباقون " نسارع " بالنون. قال الثعلبي: وهذه القراءة هي الصواب لقوله نمدهم.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (ثم أرسلنا رسلنا تترا) قال: يتبع بعضهم بعضا. وفى لفظ قال: بعضهم على إثر بعض. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة (وجعلنا ابن مريم وأمه آية) قال: ولدته من غير أب. وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع ابن أنس آية قال: عبرة. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس (وآويناهما إلى ربوة) قال: الربوة المستوية، والمعين: الماء الجاري، وهو النهر الذي قال الله " قد جعل ربك تحتك سريا ". وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه (وآويناهما إلى ربوة) قال: هي المكان المرتفع من الأرض، وهو أحسن ما يكون فيه النبات (ذات قرار) ذات خصب، والمعين: الماء الظاهر. وأخرج وكيع والفريابي وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وتمام الرازي وابن عساكر. قال السيوطي بسند صحيح عن ابن عباس في قوله (إلى ربوة) قال: أنبئنا أنها دمشق. وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن سلام مثله. وكذا أخرجه ابن أبي حاتم عنه.
وأخرج ابن عساكر عن أبي أمامة مرفوعا نحوه، وإسناده ضعيف. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط وابن مردويه وابن عساكر عن مرة النهزي، سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " الربوة الرملة ". وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم في الكنى، وابن عساكر عن أبي هريرة قال: هي الرملة من فلسطين. وأخرجه ابن مردويه من حديثه مرفوعا. وأخرج الطبراني وابن السكن وابن منده وأبو نعيم وابن عساكر عن الأقرع بن شفى العكي مرفوعا نحوه. وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " يا أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال - يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم - وقال - يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم - ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام يمد يديه إلى السماء: يا رب يا رب، فأنى يستجاب لذلك ". وأخرج سعيد