ومعنى (مختلف ألوانه) أن بعضه أبيض وبعضه أحمر وبعضه أزرق وبعضه أصفر باختلاف ذوات النحل وألوانها ومأكولاتها. وجمهور المفسرين على أن العسل يخرج من أفواه النحل، وقيل من أسفلها، وقيل لا يدرى من أين يخرج منها، والضمير في قوله (فيه شفاء للناس) راجع إلى الشراب الخارج من بطون النحل وهو العسل. وإلى هذا ذهب الجمهور. وقال الفراء وابن كيسان وجماعة من السلف: إن الضمير راجع إلى القرآن، ويكون التقدير فيما قصصنا عليكم من الآيات والبراهين شفاء للناس، ولا وجه للعدول عن الظاهر ومخالفة المرجع الواضح والسياق البين.
وقد اختلف أهل العلم هل هذا الشفاء الذي جعله الله في العسل عام لكل داء أو خاص ببعض الأمراض، فقالت طائفة: هو على العموم، وقالت طائفة: إن ذلك خاص ببعض الأمراض، ويدل على هذا أن العسل نكرة في سياق الإثبات فلا يكون عاما، وتنكيره إن أريد به التعظيم لا يدل إلا على أن فيه شفاء عظيما لمرض أو أمراض، لا لكل مرض، فإن تنكير التعظيم لا يفيد العموم، والظاهر المستفاد من التجربة ومن قوانين علم الطب، أنه إذا استعمل منفردا كان دواء لأمراض خاصة وإن خلط مع غيره كالمعاجين ونحوها كان مع ما خلط به دواء لكثير من الأمراض. وبالجملة فهو من أعظم الأغذية وأنفع الأدوية، وقليلا ما يجتمع هذان الأمران في غيره (إن في ذلك) المذكور من أمر النحل (لآية لقوم يتفكرون) أي يعملون أفكارهم عند النظر في صنع الله سبحانه وعجائب مخلوقاته فإن أمر النحل من أعجبها وأغربها وأدقها وأحكمها.
وقد أخرج عبد الرزاق والفريابي وسعيد بن منصور وأبو داود في ناسخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس والحاكم وصححه والبيهقي في سننه وابن مردويه عن ابن عباس أنه سئل عن قوله (تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا) قال: السكر ما حرم من ثمرتهما، والرزق الحسن ما حل. وأخرج الفريابي وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه قال: السكر الحرام، والرزق الحسن زبيبه وخله وعنبه ومنافعه. وأخرج أبو داود في ناسخه وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا قال: السكر النبيذ. والرزق الحسن الزبيب، فنسختها هذه الآية - إنما الخمر والميسر -. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي عنه أيضا في الآية قال: فحرم الله بعد ذلك السكر منع تحريم الخمر لأنه منه، ثم قال (ورزقا حسنا) فهو الحلال من الخل والزبيب والنبيذ وأشباه ذلك. فأقره الله وجعله حلالا للمسلمين. وأخرج الفريابي وابن أبي شيبة وابن أبي حاتم عن ابن عمر أنه سئل عن السكر، فقال:
الخمر بعينها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود قال: السكر خمر. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس (وأوحى ربك إلى النحل) قال: ألهمها. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله (فاسلكي سبل ربك ذللا) قال: طرقا لا يتوعر عليها مكان سلكته. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة ذللا قال: مطيعة. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدى قال:
ذليلة: وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله (يخرج من بطونها شراب) قال: العسل. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في الآية قال: هو العسل فيه الشفاء وفى القرآن. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير عن ابن مسعود قال: إن العسل شفاء من كل داء، والقرآن شفاء لما في الصدور. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن مسعود قال: عليكم بالشفاءين العسل والقرآن. وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه ابن مردويه والبيهقي في الشعب وابن السني وأبو نعيم والخطيب عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " عليكم بالشفاءين العسل والقرآن ". وقد وردت